بقلم : الشيخ أسامة العتابي
كثيرةٌ هي الوقفات التي نُشاهدها في تحرير أراضي العراق من شذاذ الآفاق ونبَذة الكـتـاب، ومُـحـرّفـي الكَلِم، وعَـصـبة الإثـم، ونفثـة الشـيطـان، ومُطفئي السـنن ، داعش وأعوانهم الظُلمة الذي عاثوا في الأرض فساداً ، إلا أن تلك الوقفات على حجمها الكبير لابد أن لا تكون من دافع ومُنطلق طائفي أو فوئي أو قومي أو عُرقي بل المُنطلق الأساسي في تحرير الموصل لابد أن يكون مُنطلقاً إنسانياً إسلامياً يُبيّن معالم الإسلام في كيفية تعامله مع الآخر فضلاً إذا كان ذلك الآخر هو عدواً له ، في ظلِّ مرحلةٍ قد شُوّه فيه الإسلام من قبلهم وأخرجوه من دّين الرحمة إلى دين العُنف ، فلا بّد أن تكون لنا في قبال ذلك وقفة جادّة لتحرير أرض الموصل إنسانياً قبل كل شي ، وأن لا نخرج من حدّ إنسانيتنا وننتقم من الآخر بدافع العاطفة الهوجاء والتي سوف تذهب بماء وجوءهنا إن حصلت لاسامح الله تعالى ، وهذا ما سَطّره لنا وأكدّ عليه أبن العراق الأصيل سماحة الصَّدر القائد من خلال توجيهاته الآخريه وأرشاداته التي قد كتبها بقلمه الوطني الإنساني ، فالأجدر بنا أن ندرسها ونتمعن في كلماتها ، قبل تحرير أرض الموصل حتى يكون تحريرنا منطلقاً من دافع التقويّم والإعتدال ، وهذا ما يُذكرني بسَيَّرة النبيّ الأكرم محمد (ص) في كيفية تعامله مع الأعداء أثناء الحروب ، ولعلّ الكثير مِمَّنْ يقرأ عنوان هذا المقال يتعجّب قائلاً : وهل في الحرب رحمة وإنسانية ؟! والواقع أن هذا التعجّب صحيح في عُموم المعارك التي تجري وَفْقَ أيّ منهج من مناهجِ الأرض. غير أنّ منهج الإسلام ليس منهجًا أرضيًا تعَترِيه نواقِصُ البشر، وتُؤثِرُ فيه أهواؤهم، إنما هو منهجٌ إلهيٌّ سماويٌّ ليس فيه نقاطُ ضعفٍ، أو ثغرات. وما حياة رسول الله (ص) خير دليلٍ على واقعيّة هذا المنهج، فَطَبَّقَ كلّ بُنُودِهِ دون تفريطٍ أو تحريف. وكان من أَهَمِّ بُنُودِ هذا المنهج الراقي بُرُوزُ عنصرِ الأخلاقِ بشكلٍ عام، والرحمة بشكلٍ خاص، حتى شَمِلَتِ الأخلاق –حقيقةً- كل مَنَاحِي الحياة. وكانت الحربُ من الأمورِ التي لم يَسْتَثْنِهَا هذا المنهجُ الرفيعُ، فجاءت حروب الإسلام أخلاقيّة بمعنى الكلمة. وباستقراء سيرة الرسول (ص) في المعارك الحربيّة المختلفة، سواءً ما فعله بنفسه (ص) ، أو ما كان يُوصِي به الآخرين في عمليّاتهم الحربيّة تَتَّضِحُ لنا ملامحُ هذا المنهج الأخلاقيّ الرائعِ الذي مَارَسَهُ رسولُ اللهِ (ص) ، وطبَّقه عمليًّا في حياته تطبيقًا واقعيًّا يؤكِّد عمق الإيمان بهذا المنهج، مما كان له أَثَرٌ إيجابيٌّ بارزٌ على الجيلِ الأوَّلِ ومن تَبِعَهُمْ، فرأينا استمراريّة هذا المنهج الأخلاقي في توجيهات سماحة الصّدر القائد كحقن الدماء مثلاً ، فإِنَّ رسولَ اللهِ (ص) كان ينظرُ للحربِ على أنها ضرورة أضطرارية لا يُريدها ولكن دُفع إليها دفعًا، ويَنظر إلى عدوّه الذي يقاتله على أنّه رجلٌ جهل الإسلام فحاربه، ولو عَرَفَهُ لدخل فيه، ولدافع عنه؛ ولذلك نرى رسول الله (ص) - في حروبه - حريصًا على انتهازِ الفُرصِ لحَقْن دماء عَدُوِّه، ومُستَعِدٌّ لذلك استعدادًا كاملاً، مما أنتج لنا سجلاً حافلاً بالمواقف التي يراها عُمُومُ الناس عجيبة، ولو درسُوا الإسلام لعرفُوا أنها ليست إلا بنود هذا الشرع الرحيم ، فمثلاً من دخل في الإسلام - ولو أثناء الحرب - لا يجوز قتله وغيرها من القواعد الأخلاقية ليس هنا محلّها ، وعليه فأن سماحة الصّدر القائد يؤكد على هذا الأمر بعدم إهدار الدماء بلا دليل ولا بيّنه ومن ثبت أنه مجرم وأنه يُسيء للإسلام فلانقاش في جرمه ، أما المشتبه به أو غيرهم من ضعفاء النفوس أو ممن كانو مجبرين على الطاعة والمشاركة فهذا مما لايرتضية الشرع المقدس وأن لا نسرف في القتل مادام الأمر في دائرة الأحتمال . كما أكد سماحته ان لايكون المنطلق والدافع في تحرير الموصل عاطفياً وإنتقامياً مبدأه العنف ، فقد أكد سماحته على محاسبة من يستعمل العُنف المُفرط وهدم البيَّوت والمساجد والأعتداء على الأهالي بغير حق وأستعمال التعذيب والتنكيل بالجثث وقطع الرقاب وغيرها من أساليب الإنتقام محاسبة قضائية شديدة مهما كان ذلك الفرد ولإي جهةٍ ينتسب . كما أكدّ على أمرٍ لازال يؤكد عليه ويصّر على تطبيقه في كل وقتٍ ، وهو إرجاع الهيّبة الوطنية للجيش العراقي ، من التنسيق الكامل والتسليم المطلق له في تحرير الموصل ، بأعتباره الجهة الأولية المُخوّله في تسليم تلك المناطق والحفاظ عليها ، وتحريرها من الظلمة الكفرة ، فالتنسيق والترتيب وأخذ الأوآمر من قطعات الجيش لهو أفضل بكثير من الهجوم العشوائي العاطفي ، بلا تنظيمٍ ولا ترتيبٍ ولاتنسيق مما يؤدي إلى إزهاق أرواح المجاهدين هدراً وبلا وعي ، ونحن في وقتٍ بأمس الحاجة إلى النفس الوطني في مواجهة الظلمة ، فقوّة الجيش هو قوةٌ للدولة وبالتالي فهو آمانٌ للعراق . كما أكدّ سماحته على تفعيل الجانب الإنساني المهم في أيصال جميع الأحتياجات اللازمة إلى اهالي تلك المناطق المحرّره من مواد غذائية او طبية وغيرها من الأمور الضرورية وأوكل هذا الأمر إلى جملة من البرلمانيين والوزراء في تفعيل هذا الجانب لكي يكون الجميع قد شارك في تحرير الموصل ولم يعش أحداً الأتكالية التي يعيشها البعض من السياسين مع شديد الأسف في وقتٍ تزهق فيه الأرواح لإجل العراق . كما ووجّه نداءهُ إلى اهالي تلك المنطقة بان يمّدوا يد العون والمساعدة والوقوف الجادّ مع المجاهدين الذي جاءوا من أجل تخليصهم من براثن العقل الداعشي المَقيت الذي دمّر مدينتهم وعاث في الأرض فساداً ، فعاشوا في ظل دولته اللاإسلامية في رعبٍ وخوفٍ وفقدان للآمن والآمان ، وفي نفس الوقت فقد فتح بابه الأبوي في إستقبال شكواتهم إن حصل الأعتداء عليهم لاسامح الله تعالى ، وما النصر إلا من الله تعالى ومن التوفيق والسداد .
إرسال تعليق