Articles by "المقالات"



احمد عبد الحسين 

كثير من "إن لم يكن أغلب" المتدينين ينظرون إلى الله باعتباره كومبيوتراً عملاقاً مهمته حساب حسناتهم وسيئاتهم. في ذهنهم أن كل الكومبيوترات تحسب بسرعة، لكن ميزة الله عند هؤلاء أنه "سريع الحساب".

في صغري كنت أعرف أصدقاء يعدّون خطواتهم إلى المسجد عدّاً وفي كل خطوة لهم قصر مشيد بحور عين. كنا ننام ليلاً وتحت وسائدنا ورقة فيها عدد القصور التي شيدناها في النهار. كبرتُ وصار لي أصدقاء من أهل الأذكار ولم يكونوا يختلفون عن أولئك، كانوا صيارفة حسنات يجابهون الله نقداً بنقد، سلّمني وأسلمك.

لكني في موسم الحجّ تحديداً أرى كثيراً من هؤلاء الذين يقفون أمام الله سبحانه وقوفهم أمام شاشة كومبيوتر فائق السرعة. أرى الفاسد الذي لا يحدث نفسه بتوبة، وخائن الأمانة الذي يريد العودة من مكة بسرعة إلى كرسيه، وآكل مال الناس يطوف وهو يعدّ أشواطه وأمواله على السواء، ومثير الفتن الذي سيخلع ثياب الإحرام ويعود ببدلته إلى الفضائيات ليثير الفتن من جديد، والكذاب والمرتشي ومن لا أعرف من الغاطسين في صنوف الرذائل. في حسبانهم أنهم برغم ما فيهم وبرغم نواياهم سيعودون من مكة كما ولدتهم أمهاتهم. يقفون أمام الكومبيوتر العملاق، يضغطون كونترول a ويعملون select all  ثم يضغطون  delete وينتهي الأمر.

بالنسبة للصّ الحاج وللفاسد الحاج وللقاتل الحاج ولمثير الفتن الحاجّ فإن الحج فعل مساعد على القتل والسرقة والفساد، لأنه يجعلهم يستأنفون عملهم من جديد بحيوية أكبر وبشعور بالذنب أقلّ.

الآن تذكرت حديثاً للإمام الباقر "عليه السلام":

لأن أعول أهل بيت من المسلمين وأشبع جوعتهم وأكسو عريهم وأكف وجوههم عن الناس، أحبّ إلي من أن أحج حجة وحجة وحجة حتى انتهى إلى عشرة، ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين!

وتذكرت حديث الصادق "عليه السلام": إذا اكتسب الرجل مالاً من غير حلّه ثم حجّ فلبّى، نودي: لا لبيك ولا سعديك! 



محمد حسن الساعدي

ما يُحسب لحكومة السيد السوداني هو الاصرار على إكمال ميناء الفاو الكبير في جنوب العراق،والذي يعد أكبر الموانئ في الخليج وأحد أكبر الموانئ في العالم،وعلى الرغم من كل العراقيل التي وضعت من أجل عدم تنفيذه إلا أن هناك إصرار سياسي على تنفيذه وإكماله،حيث يقترب الميناء من المراحل النهائية للمرحلة الاولى،ويستعد الفنيون من مرحلة التشغيل بحلول عام 2028،وحسب خبراء الملاحة الدولية سيغير خريطة النقل البحري العالمية،كونه سينقل البضائع من الصين واليابان وجنوب شرق آسيا الى أوربا عبر العراق وبالعكس وسيكون منافساً قوياً بقناة السويس على البحر الاحمر،بالاضافة الى أنه سيكون قادراً على نقل النفط والغاز والمواد الكيماوية،وجميع منتجات التجارة العالمية الاخرى،ما يعني أن هذا الطريق سيعمل على تقليل الوقت اللازم للنقل بين أوربا وآسيا 11 يوماً.

يضم ميناء الفاو 99 رصيفا وسيكون أكبر ميناء في غرب آسيا،متجاوزاً بذلك ميناء جبل علي في دولة الامارات،حيث يتمتع هذا الميناء بأهمية استراتيجية للعراق وسيحقق عوائد مالية ضخمة من خلال عمليات نقل البضائع والمنتوجات النفطية وبشكل أسرع من قبل بالإضافة الى أنه سيتم ربط سكة حديدية تربط منطقة الخليج عبر العراق والى أوربا عبر تركيا،ما يعطي العراق مكانة مهمة في التجارة العالمية،ويربط دول الخليج والتي تعتبر من الدول الاستهلاكية للسلع بتركيا التي تعتبر هي الاخرى مستهلك مهم للنفط، ومحطة مهمة من محطات تصدير السلع الى العالم.

الميناء تم إنشاءه على جزيرة صغيرة في المياه العراقية والت تقدر مساحتها بحوالي 350 كيلو متر مربع منها 250 متر مربع داخل البحر،إذ سيتم إنشاء وبناء هذه الجزيرة عن طريق عمليات دفن تقدر بحوالي مليار متر مكعب من الاتربة في البحر و25 مليون طن من الحجر، حيث سيشمل بناء مدن صناعية ومناطق تجارة حرة حث تقدر تكلفة المشروع بحوالي 12 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتم تعويض هذه التكاليف خلال ست سنوات من افتتاحه.

هناك بعض العقبات أمام أكتماله،منها عمق المياه الذي يصل الى أكثر من 40 متراً،بالاضافة الى الحاجز الطيني القريب من مدينة الفاو،والذي يتراوح بين 3 الى 6 أمتار،ومع ذلك فان الملاكات الهندسية والفنية مصممة على تجاوز هذه العقبات وإكمال مراحله على أكمل وجه، والذي سينتهي ويعمل بكامل طاقته الانتاجية مع حلول عام 2038 .

على الرغم من ردود الافعال على إنشاء هذا الميناء،الا أن الحكومة العراقية مصممة على تذليل العقبات،كون المشروع يقلل الاعتماد على النفط ويفتح الباب أمام تعدد أبواب توسع الاقتصاد العراقي ومردودات الموازنة السنوية،لذلك اعتقد من الواجب على الحكومة ان تسعى جاهدة من أجل إكمال المرحلة الاولى من المشروع بأسرع وقت والبدء بتشغيله،والذي سيكون تحدي واختبار لقوة العراق أمام طموحاته الاقتصادية،وإعادته الى مصافي الدول الصناعية والاقتصادية الرائدة في المنطقة.




ظاهر صالح الخرسان 

يبدو أنَّ الثُّلاثي المرَح او كما وُصِف الثلاثي الإطاري المشؤوم يبني مملكته السياسية على وجه السُّرعة على بقعة رَمليــــة مُتحرّكـــة،بعد إنتهاءه من مجزرَةِ تجاوزَت الــخمسين شهيدا ،وكذلك بالتزامن مع المتغيرات العالميــة والاقليميـــة ،بل إنَّ هذا الثلاثي قد أعلَن عن بقاءِ مُرشحهم-السُّوداني-بالتزامُن مع حِراك التَّفاوض المعلن عنه ،فالفاعل السّياسي الاطاري يذهَب بإتجاه تشكيـــل حكومة بإيّ صورة كانت، ورغم ان الاطار التنسيقي قد تَضَخَّم رقميــاً بعد إنسحاب الكتلة الصدرية إلاّ إنَّ هذا التَّضخُم هو عارض ثانوي لم يُضفي لهم قوة واقعيــة تبدد مخاوفهم الحقيقية بتشكيل حكومة بعيدا عن رأي السيد الصدر بما يمثلهُ من واقع اجتماعي متحرك في الساحـــة ، فتغافل السوداني مرشح الاطار عن كونه لا يمثل الا كارتا تفاوضيا قد يُستبدل في ايّ لحظة تقارب بين الاطار والتيار او تنازلا اطاريا ، فمن المستغرب جدا ان يجلس السوداني بدفع  سياسي من كتلته والتي يغلب عليها طابع الخصومة ، في جلسة سريعة مع ممثلين اطاريين وبعض النواب المستقلين الطّامحين بالامتيازات وما تجود عليهم ايدي القوى السياسية الداعمة لتشكيل الحكومة اليوم هم عبارة عن ظل للسوداني يصافحهم على وجه السرعة ولا نعلم ان جلسة استعداد الولادة هذه تثمر عن نتائج لصالحهم على خلفية تدخل كوثراني والهاشمي اللذان لم يتوصلا الى حل معين مع اجنحة الاطار، وهل هذه القوى السياسية مقتنعة بهذا الحراك البائس لتشكيـــل حكومة بهذا المستوى من التمثيل السياسي الهزيــــل بلا حصانة شعبية وانعدام  الثقة بين مكوناته     



سلام الحسيني 

- إنهاء الاعتصام لم يكن انسحابًا بقدر ماهو فاصلة للتهدئة لضبط الإيقاع وإعادة السلمية لمسارها للمرحلة الثانية من ثورة عاشوراء بالإضافة إلى قرب زيارة الأربعين، وهذا ماحدث أيضاً خلال ثورة "تشرين" 2019 حيث اتفق المحتجون على هدنة لحين النزول يوم الـ25 من تشرين لأنها صادفت مع مناسبة الزيارة. 

- لم يقترن إخلاء البرلمان بنصر للقتلة والفاسدين التبعيين وإنما كان شرطًا مشروطًا بدم طاهر كان قد نزف لمنع تشكيل حكومة إطارية يديرها جنرال إيران والبدء بتنفيذ المطالب، الغاية لم تكن البقاء في البرلمان ليوم القيامة بل هي رسالة احتجاج كان لابد من إيصالها وحتماً لها مراحل. 

- بدء المرحلة الثانية مابعد الأربعين طالما كان الإطار التنسيقي مصراً على عدم الإكتراث للدماء وصوت التغيير الجذري وحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة -بشروط- ستكون الأصعب لأنها مرحلة تكتنز الغضب المستعر في نفس كل ثائر تجاه هذا النظام. 

- التحشيد قبل اقتحام البرلمان انطلق عفويًا ثم لاقى اهتمامًا كبيرًا لينتج عنه الاعتصام، لابأس بتكرار التحشيد مرة أخرى بعد الزيارة طالما كان القرار للشعب وهو صاحب الشرعية بحقوقه خصوصًا وأن دماء عاشوراء الطاهرة قوضت جماعات السلاح نسبيًا. 

- التهاون في إكمال مابدأ يسهم إلى حد بعيد بتفرعن قوى الإطار التنسيقي بشقيه السياسي والمسلح الذي يمهد لتشكيل حكومة أمنية قمعية أهم ماتتبناه ملاحقة معارضيها من تشرين وعاشوراء لترسيخ قوتها ونفوذها لإقامة دكتاتورية مشؤومة. 

- تربطني بعدد من شهداء عاشوراء علاقة صداقة ممتدة لسنوات ومنهم من كان زميلاً في الدراسة، لم أرثيهم إلى الآن لأنني أعتقد أن الانكسار نصر ممنوح للقاتل والمعركة قائمة والانكسار خسارة!



ظاهر صالح الخرسان 

إهتم اصحاب التحليل السياسي والمراقبين بتصريحات كيسنجر الاخيرة في صحيفة الصنداي تايمز  (( ان احداثا كبيرة قادمة في الشرق الاوسط وآسيا  )) ووسائل الاعلام  العالمية ترجمت  اللقاء  بعدة لغات، وأعادت نشره في دول كثيرة لأهميته وأهمية الشخص المتحدث. تأتي اهمية الحديث هو توقيت المقابلة بالتزامن مع الاحداث الحالية ، وما يقوله كيسنجر يعني هو طريق الاحداث القادمة لأنه كما يعبر بإنه رجل مهووس بالمنطقة  ويتابع احداثها ،وهو الذي يقف على اكبر عملية اختراق في المنطقة في السبعينات عندما مهد لحرب اكتوبر واخرج مصر من دائرة الصراع الاسرائيلي واوصلها الى اتفاقات كامب ديفيد  

من الطبيعي جدا ان محيط العراق هو في دائرة الصراع المرتقب  (الاسرائيلي- السوري _اللبناني- الايراني) فضلا عن تداعيات نتائج الحرب -الروسية الاوكرانية- ومتغييراتها في آسيا والشرق الاوسط  وكذلك  تداعيات ما ضرب العالم من تضخم وازمات اقتصادية وازمات مؤجلة منها ازمات جيوسياسية وازمات السيطرة على النفط والغاز .

وباتت منطقة الخليج ضمن دائرة الاعصار السياسي المتأزم وتأثير بيع النفط واتساع المعسكر الذي يرغب بالمواجهة مع ايران ،و يعتبر العراق  محورا استراتيجيا في المنطقة وهذه الرؤية افصح عنها كيسنجر في فترة حكم اوباما ((لا تنسوا العراق )) داعيا الى إحداث توازن استراتيجي بين العراق وايران وان هذا التوازن هو الذي يؤثر على استقرار المنطقة 

اما على المستوى المحلي فإن العراق في حالة توتّر وطريق مجهول لم تتضح معالمه بعد ، فإن انسحاب السيد الصدر من مجلس النواب هو بمثابة صدمة وانسداد حقيقي لا احد يتكهن بما تؤول اليه الاحداث والاصطفافات السياسية بعده ، والذي نستطيع قراءته من خلال المعطيات الموجودة ان هذا القرار لم يأتِ كردّة فعل مُفاجئة وانما خضع لقراءة احداث عالمية وإقليمية في المنطقة قد تكون الحكومة الوليدة في مهب ريح الازمات فتتحمّل ذلك الاعصار الذي يبعثر اشلاءها دون الوصول الى تحقيق برنامجها ومشروعها السياسي 

استطاع الصدر ان يدقّ آخر بسمار في مشروع الحكومات التوافقية التي تتطلع اليها دول المنطقة وتدفع بهذا الاتجاه قد سلب منها رداء الشرعية السياسية والاجتماعية ،فصارت من الولادات المشوهة التي ستسبب حالة انفجار وغضب شعبي اذا ما اتجهت الكتل بهذا الاتجاه ،فضلا عن هذه الكتل في خانة الخسارة والرفض الشعبي مسبقا 

فقد دشّن مشروعا سياسيا عراقيا ينتظر لحظة ولادته او وقت اكتمال النمو وان الاسراع بولادته في ظل هذه الاوضاع قد لا يرى النور ،الا حين اكتمال الظروف وإيجاد الرغبة الحقيقية لهذا المشروع ،فإن الصدر يدرك ان عامل التأثير الاقليمي سببا مباشرة في تأخير تلك الولادة واذا ما حصلت ضمانات دولية ببإهاء المشروع التوافقي ورفع اليد عن هذه القوى التي تعتاش على التوافق فإن انطلاقته تكون جاهزة سواء  بإنتخابات جديدة او بتشكيل حكومة جديدة تحت دعم  المجتمع الدولي بإعتبار الكتلة الفائزة الاكبر هي التي تعطي الشرعية للنظام السياسي 















الكاتب

عبد الجبار الجبوري

في خطوة ذكية ،لفتح الانسداد السياسي ،الذي أوقع العملية السياسية ،في شرك الصراعات على تشكيل الحكومة ،أطلق السيد مقتدى الصدر،مبادرة سياسية ،وهي فتح الطريق أمام الاطار التنسيقي،الذي يقوده نوري المالكي وهادي العامري،لإقناع الأطراف في التحالف الثلاثي(مسعود برازاني – الحلبوسي)،لتشكيل حكومة أغلبية وطنية،وبقاء الصدر في المعارضة، وأعطى لهم مدة أربعين يوماً كفرصة أخيرة ،فهل يستطيع الإطار إقناع التحالف الثلاثي من الالتحاق في الإطار وتشكيل حكومة( أغلبية وطنية)،إبتداء وفي نفس يوم المبادرة ردَّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة للحلبوسي ،برفض التحالف مع الاطار،وترك التحالف الثلاثي، وأبدوا تمسّكهم بالتيار الصدري،وهذا مؤشر أكيد على فشل الإطار في تشكيل الكتلة الأكبر،كما يُصرّ،المتحالفون معه،ومنهم العامري والمالكي والخزعلي،وبهذا سحب السيد الصدر البساط من تحت الإطار التنسيقي، ووضعه في زاوية حرجة أمام جمهوره، والرأي العام ،واصبح واضحاً ،ان الصدر بمبادرته ،ربما سيلتحق به قوائم ونواب جدد من الإطار،لتصبح فرصة تشكيل حكومة لاشرقية ولاغربية في متناول يده،ولكن هل تترك إيران والإطار، الصدر تشكيل الحكومة بمعزل عن الاطار، قطعاً مستحيل تشكيل حكومة بدون(الإطار التنسيقي)، دون أن يحصل صدام مباشر بين الثلاثي – الاطار، وصواريخ ايران لأربيل ليست بعيدة،وافتعال (أزمة للحلبوسي في الانبار).

ليست بعيدة، بعد دعوة ابو علي العسكري،فصائل مسلحة للنزول الى شوارع الانبار،كل هذه رسائل ايرانية للتحالف الثلاثي،ولم يستطع أحد توجيه مثلها للصدر،وهي جزء من مخرجات مؤتمر فيينا ، الذي يوشك على النهاية، دون تحقيق توقيع اتفاق نووي جديد ،بين أمريكا وأوروبا من جهة وبين وايران من جهة أخرى، فتشكيل حكومة عراقية موالية لطهران، واحدة من أهم أوراق إيران للضغط على مؤتمر فيينا،وإبقاء نفوذها ودولتها العميقة في العراق،لأطول فترة ممكنة،خاصة وأن العراق هو رئة إيران الوحيدة ،لتخفيف الحصار الاقسى في التاريخ على عليها،إذ لولاه لسقط نظام طهران قبل عشرة أعوام مضت، ولكن في المقابل، ماهي إستراتيجية الإطار التنسيقي، أزاء فشله في إقامة تحالف الكتلة الشيعية الأكبر، واقناع برازاني – الحلبوسي، بالتحالف بعيداً عن السيد مقتدى الصدر، أعتقد لدى الإطار التنسيقي أوراق ضغط كثيرة ،ترهيبية وترغيبية، ضد البرازاني والحلبوسي، منها الموافقة على مرشح الديمقراطي الكردستاني لرئاسة الجمهورية بصفقة محتملة، ومنها توجيه ضربات صاروخية باليسيتية أخرى على أربيل ، كما صرّح أوهدّد أكثر من مسؤول إيراني وعراقي، لتركيّع اربيل ، والقبول بالتحالف،وكذلك الحلبوسي إعطاءه مناصب سيادية ،وصلاحيات واسعة وتعيينات في مواقع حساسة ،وربما تحقيق حلمه بالإقليم السني، أو التلويّح بنشر الفوضى في الانبار،وفيما يخص الصدر، أعتقد أن التيار الصدري يستعد لأسوأ الاحتمالات ، إذا ما إستفزه الاطار التنسيقي وفصائله ،التي لن تبقى مكتوفة الايدي، دون أن تقْدم على مواجهة مباشرة مع سرايا السلام، في بغداد وأماكن أخرى ،لإحراج الصدر وإفشال جهوده وإصراره على تشكيل حكومة أغلبية،إصلاحية من أوائل خطواتها وبرنامجها الاصلاحي،إحالة حيتان الفساد الى القضاء،وفتح ملفات سبايكر والموصل،ووملاحقة السلاح المنّفلت وغيره،والفصائل الخارجة عن القانون،هذه السيناريوهات ليست محتملة ، ولكنها هي الحقيقة على الارض، ومن يتابع تصريحات أعضاء الإطار التنسيقي ،وزعماؤه، يصِل الى أن فرصة الصدر، ليست كافية لتحقيق (الكتلة الاكبر)، كما يريد الإطار، وإنما هو فخٌّ ولغمٌ ،وضعه الصدر أمام الإطار التنسيقي، لإسكاتهم وإحراجهم ، ووضعهم و(هذا المهم) ، أمام حجومهم وتأثيرهم في الشارع العراقي، الذي يدعون تمثيله، و(أنهم يبحثون عن حقوق الشيعة وانهم لايسمحون بتهميش الشعية المكون الأكبر)،متجاهلين أو متناسين ،حقيقة السيد مقتدى الصدر، الذي يمثّل الطيف الشيعي الأكبر، ويمتلك سطوة الشارع العراقي ،إذن على الاطار التنسيقي،إذا أراد حفظ حقوق جمهوره الذي يمثله، ويدعي التهميش ،وماء وجهه، أن يلتحق( وسيلتحق)، بالتحالف الثلاثي ،وتشكيل حكومة عابرة للطائفية، لايوجد فيها طرف يستحوذ بالقوة ،على حقوق الآخرين وتهميشهم، فقد ولّى زمن التهميش، كما كان يحصل في حكومات الجعفري والمالكي والعبادي والمهدي، لقد غيرّت خريطة الانتخابات والتحالفات المعادلة،وأفرزت وضعاً جديداً،بعد الخسارة الكبيرة لكتلٍ وأحزاب ، ،كانت مهيمنة على المشهد السياسي العراقي، وفشلت في قيادته، بل سبّبت الأهوال للعراق، ونشرت الفساد وحَمَت المفسدين والقتلة ، لهذا لفظهم الشعب العراقي، بوعيه الصادم ، وأحالهم هم وأحزابهم الى دكة الإحتياط،اليوم إختلفت الاوضاع عراقياً وإقليمياً،ودولياً، وأصبح العالم أمام إستحقاقات جديدة، وتحالفات جديدة، خاصة بعد حرب روسيا- أوركرانيا، تبدّلت التحالفات الدولية كلها، وهكذا لابد من تماشي هذه الأوضاع عراقياً،والإنصياع لهذه التحالفات والإلتحاق بها،والتخلّص من هيمنة وسطوة إيران وأحزابها،ومايجري في لبنان وإفلاس حكومتها.

لهوَ درس يجب أن يفهمه ساسة العراق، ومايجري في اليمن،لهوَ درس آخر من دروس إنتهاء الهيمنة ،والنفوذ الايراني في المرحلة المقبلة، والتي ستتخلّى عن حلفائها وتتركهم لمصيرهم ،والوقت مازال مبكراً لصحوة هذه الأحزاب، التابعة والخاضعة للنفوذ الإيراني،والعودة الى حضن الشعب العراقي، والإعتذار منه،والقبول بالتحالف الثلاثي دون تهميش، وإنتخابات تشرين (جرّة أذن) لهم ،عليهم إستخلاص العِبر والدروس منها، وإلاّ فطلائع تشرين تنتظرهم في ساحة التحري،ر وفي كل مكان في العراق، وهذه المرّة، سوف لن تبقي أحد منهم ،في منصبه ومكانه، سيعيدهم شباب العراق، من حيث أتوا، هذا مايعلنه أحرار تشرين، نعم مبادرة الصدر فرصة لمراجعة سياسية، وامتحان عسير ،للاطار التنسيقي فهل ينجح فيه ،أجزم ان نسبة النجاح صفراً مهما فعلوا،لأن نتائج إنتخابات تشرين قد حسمت الامر كله…!!!! وقُضي الأمرُ الذي فيه تستفتيان ..




د. قيس ناصر

باحث واكاديمي

في يوم 4/4/ 2022, افتتح وزير النقل العراقي الكابتن ناصر حسين الشبلي مشروع الطرق الداخلية لميناء الفاو الكبير, ويذكر أن هذا المشروع هو أحد المشاريع الثلاثة التي تم التعاقد عليها في أواخر 2019, ونتيجة لوباء كورونا تمت المباشرة فيه بشهر ايار 2020, ليضاف الى المشاريع المنجزة الاخرى, اذ تم في شهر شباط 2022, افتتاح مشروع حوض تصنيع النفق وهو ايضا أحد المشاريع الثلاثة التي التعاقد عليها في 2019, أما المشروع الثالث فهو مشروع السداد الصخرية الذي يعد منجزاً من الناحية الفعلية, إلا إنه من الناحية الفنية متداخلاً مع مشروع الارصفة الخمسة, أحد المشاريع الخمسة التي وضع حجرها الاساس في نيسان 2021.

ويُذكر أن الشركة المنفذة للمشروع, هي شركة دايو الكورية, وبإشراف الاستشاري الايطالي (شركة تكنتال), والشركة العامة لموانئ العراق, بإدارة الدكتور المهندس فرحان الفرطوسي. ومع اكتمال هذه المشاريع الثلاثة, تصبح المشاريع المنجزة في مشروع الميناء, خمسة مشاريع, هي : 1-كاسر الامواج الشرقي 2- كاسر الامواج الغربي 3- مشروع الطرق الداخلية للميناء 4- مشروع حوض تصنيع النفق 5- مشروع السداد الصخرية, أما المشاريع قيد العمل فهي المشاريع الخمسة التي من المتوقع انجازها مع بداية 2025, على وفق مدة التعاقد. 

وينبغي الإشارة إلى أن المشروع حالياً يوفر فرص عمل لأكثر من 6000 فرد, على وفق قول إدارة المشروع, ومع انجاز هذه المشاريع الثلاثة, ينبغي أن يتشكل رأي عام ايجابي من أجل حث السلطات على استمرارية توفير الأموال لإنجاز هذا المشروع الاستراتيجي, الذي يعد نواة لمشاريع اقتصادية تعد ركيزة لأية رؤية تريد اصلاح واقع الاقتصاد العراقي .



الباحث/ حسين حيدر محمد الجزائري

- ماجستير علوم اقتصادية – 

    يعد مشروع القناة الجافة جزءاً مكملاً لميناء الفاو الكبير بل شرطاً أساسياً في إنجاح الميناء, إذ يعد من المشاريع الاستراتيجية في العراق كونه يتضمن نقل البضائع التي يتم مناولتها في ميناء الفاو الكبير ومن ثم نقلها عبر الأراضي العراقية وبموجبه يتم ربط الموانئ العراقية بشمال أوروبا عبر تركيا وسوريا, وبذلك يكون العراق أقرب حلقة وصل ما بين الخليج العربي والبحر المتوسط, لذا فأن ربط القناة الجافة بميناء الفاو الكبير والموانئ العراقية الأخرى سيمنح العراق مكاسب اقتصادية كبيرة لا تنحصر بتعرفة مرور القطارات عبر السكك الحديد والشاحنات عبر الطرق البرية في الأراضي العراقية بل يتعدى ذلك إلى أجور وعوائد السفن البحرية القادمة إلى موانئ العراق وكذلك أجور وعوائد الوكالات البحرية وفرص العمل لعمال الشحن والتفريغ.

 

اذ يؤدي ممر القناة الجافة (Dry Channel Corridor) للنقل البري عبر العراق وبلاد الشام إلى أوروبا (بالشاحنات والقطارات)، الى تحسين الاقتصاد العراقي من خلال ايرادات الرسوم التي يتم استحصالها لنقل بضاعة الترانزيت وهذه المنافع يمكن عدها منافع صافية للاقتصاد العراقي. وان الرسوم تمثل مساهمة صافية في الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، وعلى وفق التقييم الاولي للقناة الجافة من الممكن تحقيق رسوم عبور قيمتها (100) دولار لكل حاوية عابرة وتشير التوقعات الى إن ضريبة المرور على الحمولات التي ستنقل عبر القناة الجافة ستكون قيمتها (7,14) دولار للطن الواحد (الجزائري,2017,ص).

        كما يخطط للقناة الجافة ان ينفذ خط سكة حديد مزدوج بطول اجمالي (1510) كم منها (920) كم داخل الاراضي العراقية وهو يمثل تقريباً(61%) من الطول الاجمالي للقناة الجافة، كما يخطط ان تكون طاقة هذا الخط المزدوج من الفاو الى البحر المتوسط نحو(54) مليون طن سنوياً كمرحلة اولى لغاية العام 2028، بعدها تزداد في المرحلة الثانية الى (70) مليون طن لغاية العام 2038، وهذه الطاقات تمثل حجم التجارة في العراق خلال الفترات الزمنية المذكورة، في حين تشير احصاءات التجارة الدولية الى ان الكلف المنخفضة عبر القناة الجافة من المتوقع ان تجذب من (170) الى (180) مليون طن في السنة من بضائع الترانزيت هذا فيما عدا تجارة الترانزيت للبلدان المجاورة للعراق على رأي أحد الباحثين. ويمكن تقدير مجموع الإيرادات الممكن تحقيقها من تشغيل ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة بحدود (14) مليار دولار عند انتهاء المرحلة الأخيرة من تشغيل الميناء, كما أن مشروع القناة الجافة سيعمل على تقليل تكاليف النقل لتجارة أوروبا واَسيا عبر الموانئ العراقية مما سيسهم ذلك في جذب المزيد من شركات الشحن العالمية وذلك عبر تقليل عدد رحلات السفن غير المنتجة (رحلة العودة فارغة) , إذ إن ممر القناة الجافة سيسمح بدرجة كبيرة من احتمال حصول السفن المغادرة على حمولات معدة للنقل وبصورة مستمرة في ميناء الفاو الكبير والموانئ العراقية الأخرى.


ادهم ابراهيم

كان كثير من الناس يربطون اخلاق المرء بمقدار تدينه، ويفترضون أن التدين ملازم بالضرورة لحسن الخلق والعدل .

ولكننا الان نشاهد اشخاصا” يَدَّعُون التدين ويقيمون الشعائر الدينية المختلفة، “واحيانا المبالغة فيها” في العلن ، ولكنهم في الخفاء يخونون الامانة ويبتزون الفقير ولايكفون الاذى عن الناس اوالطريق، وحتى عدم مراعاة الطهارة والنظافة التي يؤكد عليها الدين ، ناهيك عن انتشار الفساد بهذا الشكل المخيف .

كما نلاحظ كثرة السؤال عن الحلال والحرام في المأكل والملبس ، دون السؤال عن مكارم الاخلاق او السلوك الحسن المكمل للدين ، حيث يقول الرسول الكريم (إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق) .

 ويخاطب رب العزة نبيه الكريم وانك لعلى خلق عظيم .

تعتبر القيم الأخلاقية أساس الدين والتدين . ولايمكن تصور الالتزام بالدين دون اخلاقياته .

والاديان كافة تضع قواعد اخلاقية صارمة لتنظيم العلاقات الانسانية . وتكون مترافقة مع الطقوس والشعائر الدينية .

ولذلك كانت علاقة الدين بالأخلاق  متشابكة ومتداخلة الى حد كبير . .

ولكننا الان لانستطيع القول إن الأخلاق البشرية الحالية مترادفة او مرافقة للدين او التدين .


حيث اصبح كثير من الناس في عالم اليوم يعتقدون أن الدين ليس ضروريا لأخلاق الإنسان ، فالدين علاقة الانسان بخالقه ، والاخلاق علاقة الانسان باخيه الانسان او بمحيطه .

وبالتالي فليس من الضروري ان يتبنى الانسان دين معين من أجل الحصول على القيم الأخلاقية . فاخلاق الانسان بدأت بالدين حتى اصبحت الزامية من خلال ربط الدين بالاخلاق ، وجاء العقاب والثواب على وفقها . ولكن تطور الاخلاق جرى بمعزل عن الدين .

حتى اصبحت الاخلاق غير مرتبطة بالدين وجودا وعدما .


فالأخلاق من المنظور العلمي أو العقلاني هي سلوك انساني واجتماعي متطور ومتحضر . اما التدين والطقوس الدينية بشكلها الحالي فقد اصبحت نتاج تراكمي للعادات والتقاليد اكثر منها ايمانا بالدين اوبالقيم الأخلاقية ، بل كثيرا من هذه الطقوس ابتعدت عن الدين الذي كان وسيلة اصلاح اجتماعية ، فتحول في كثير من الأحيان الى وسيلة سلطوية لتنفيذ مهمات واهداف سياسية واقتصادية لاعلاقة لها بالاخلاق .


الابتعاد عن القيم الدينية


ان مانراه اليوم من عدم الالتزام بالمبادئ والقيم الدينية الحقة والاقتصار على الطقوس والشكليات ومارافقها من انحطاط القيم الاخلاقية لدى بعض المتدينين في مجتمعاتنا يعود اما الى ضعف الايمان الحقيقي بالدين ، او اتخاذ الدين وسيلة لخداع الناس والاحتيال عليهم ، وهي بالتالي ادوات نصب وتضليل .


أننا نعيش الان في ازمة فعلية في التدين وفي الاخلاق معا” ، فجاء التدين الظاهري في كثير من الاحيان كغطاء لغمط حقوق الناس أو الاستيلاء على المال العام .


اين مدعي التدين من مكارم الاخلاق التي يزخر بها التراثِ الإسلامي مثل العفة، والرضى، والبر والإحسان، والصدق، والأمانة، والحِلم ، والكرم، والإيثار، والعدل، والعرفان ، والوَفاء، ، والتواضع ، والتعاون، والتسامح، وفعل الخير، واجتناب الشبهات وغيرها .


وهكذا انقطعت العلاقة بين التدين الظاهري والأخلاق، حتى اخذنا نشاهد حالات مؤلمة من الاستيلاء على الاموال العامة والخاصة وضياع الحقوق ،  واستغلال حاجة الناس لكسب المال او الصعود الى السلطة باي ثمن ، واكثر هذه الممارسات تصدر من اناس يتمظهرون بمظاهر دينية مخادعة .


وهكذا اصبحنا نشاهد “مع الاسف”

أن الافراد والمجتمعات الأكثر تديناً، أو التي تدعي التدين على الأصح، هي الأكثر فساداً في الإدارة، والأكثر كذباً في السياسة، والأكثر هدراً للحقوق، والأكثر تحرّشاً بالنساء وغمط حقوقهن ، والأكثر اساءة  للأطفال، ثم يأتي هؤلاء الاشخاص ليقولوا لنا بوقاحة إن سبب فساد الأخلاق هو نقص في الدين !


لاشك أننا نواجه أزمة حقيقية .. أزمةٍ في الأخلاق وازمة في التدين على حد سواء .

حيث تدهورت الأخلاق العامة نتيجة تدهور سلوكنا الفردي والجمعي بشكل واضح ، وهذا ينطبق على كثير من الناس رغم اختلاف توجهاتهم العرقية اوالطائفية او السياسية .


كما تدهور التدين الحقيقي لطغيان الطقوس والشكليات على حساب  الايمان الحقيقي بالله وبقيمه ، واتخاذ الدين وسيلة للمكاسب السياسية والفردية .


ان القيم الاخلاقية هي حجر الزاوية الذي يرتكز عليه بناء الأجيال المتعاقبة القادرة على الصمود في وجه تحديات المستقبل.


لذلك تواجه الأخلاق في مجتمعاتنا تحديًا كبيرًا يتطلب التفكير الفردي والجماعي .


ولمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية الرصينة دور مهم في الحفاظ  على القيم الأخلاقية والدينية الجيدة ، وايجاد طريقة فاعلة في السماح للافراد بالعيش في المجتمع وفقًا لمثلهم العليا ، وتجنب مصادرتها ، مع الحفاظ على الحد الادنى من القيم والمبادئ الاخلاقية العامة التي يجب أن يحترمها الجميع . .

ادهم ابراهيم






بقلم: ظاهر صالح الخرسان 

 

الصِّراع في المَنطقة الأقليمية قائِم على حَدّين،حدّ سِياسِي وحَد عقائدي من يُلقِي نَظرَة يَجِد هذين الحَدّين بوضُوح <العقائدي والسياسي >  مَثلا في [ الصراع مع حز.ب اللـ ه ومع الحركة السياسية الشعبية الحوثــ.. يــ.ة بعد وجودها في المعادلة السياسية اليمنية ] 

 أمّا نَصيب الخَط الصّدري فإنّ حدود الصِّرَاع مَفتُوحَة لا تَقتصِر على الصِّراع العَقائـدِي او السِّياسي وكأن زعيم الخَط وعراقيته  يُليق به كلِّ أشكال الصّراع حتى تكَسّرَت النـصالُ على النصالِ ، فالحَدُّ العقائدِي،مُنشغِلة عنهُ الناس نوعاً ما ، الاّ حِينما يَسُوقهم الاعلام او قوة ناعِمة  بإتجاه حَدثِ مُعين ويبدو انه مستهلك الى حد الثرثرة والتفريغ ، والحَدُّ السِّياسي صِراع مُستَمِر مُنذُ إنطلاق وإعلان المُتبَنيّات والثّوابِت  الوَطنية التي لا يُمكِن التَّخلي عَنها او التَّراجع بأي شَكلِ من الأشكال لا يَخفى على زَعامة الخَط الصّدري ان الدخُول في دائِرة الصّراع  أمرُ مُكلِف وباهِض جدا يَحتَاجُ الى قُوّة حَديدية ومُناوَرة ومُطاوَلة وعدم كشف الاوراق وعدم الاستغراق بالتبرير ،فإن الهدف هو تهشيم ذلك العملاق المُتعَفّن (السياسة المشوهة)  الذي يَملِكُ ادواتَ الصّراعِ الداخلي والخارجي من سُلطةوقوانين ومال سِياسي سَائب ونفُوذ مُجتَمَعي نَفعِي ، والأشَدُّ صُعوبة إن أذرعه "دولية واقليمية"ومَحَطِّ رِعايـَة الاستكبار ومَصالِح الدُّول التي تَعتَاشُ عَليه وقد اشْرَفت على تربيتَهِ وتَغذيتهِ والعِناية به وحمايته .

لذلك فإنّ المَشروع السّياسي الصَّدري يُواجِه هذا الصِّراع وفي قلبِ الحدث.  ما يَظهر اليَوم من إرهاصَات هي بَسبَب  شِدّة ذلك الصِّراع ومَضِي المَنهجية الصَّدرية بالإصلاح دُونَ تَراجع وعَدم الاكتفاء بِبَترِ  الاطراف السُّفلى وانما الضَرب بالرَأس و تَجفيف المَنـَابِع التي يَعتَاش عليها الفَساد السِّياسي الدَّاخلي والخَارجِي.



د. قيس ناصر

باحث واكاديمي

28/2/2022

   تعد الصين دولة كبرى في مرحلة التحول إلى دولة عظمى, هذا التحول يحتاج إلى استراتيجية أو فرضية سياسية تشكل غطاءً لحركاته, لذا جاءت استراتيجية الحزام والطريق, فمثلما عمل الغرب على ترويج نفسه من خلال حقوق الانسان والديمقراطية وغيرها, تحاول الصين الترويج عن نفسها من خلال الاقتصاد .

   بدأت المبادرة من داخل الصين من الحزب الشيوعي الصيني إلى الشعب الصيني, ومن ثم تم تصديرها إلى الخارج ومقارنتها مع احلام الشعوب: الحلم العربي, الحلم الكوري, الحلم الافريقي....الخ, وكأنها هي الحُلم الذي سيحقق الجنة الأرضية على وفق مراحل التاريخ التي تحدث عنها كارل ماركس. وفي الوقت نفسه, فإن هذه المبادرة, في مرحلة التحول من الفرضية الى الواقع, قد اختلفت تجارب الدول ضمنها من دولة إلى أخرى, فهناك تجارب سلبية عديدة, وهناك تجارب اخرى, هذا يعني أن نجاح المبادرة يعتمد على الدولة نفسها, فإذا كانت إدارة الدولة قوية, والفساد مسيطر عليه, بالتأكيد ستكون نتائجها مختلفة عن الدولة التي يهيمن عليها الفساد وتكون أقرب لدولة الغنيمة التي تتقاسمها الجماعات السياسية .

   لعل واحدة من الأمور التي يختلف عليها الباحثون ووسائل الاعلام, هي الخرائط, إذ لا توجد خرائط معتمدة للمبادرة, وهذا الأمر سيجعل الحكم على دولة إنها موجودة أو لا من خلال خريطة ما, ويمكن تفسير ذلك بالقول بأن خرائط المبادرة غير مكتملة, لأنها غير مقتصرة على دول دون اخرى, أي يُمكن لأية دولة تقع ضمن مسار الحزام أو الطريق الانضمام إليها لاحقاً حتى وإن لم تكن موجودة في إحدى الخرائط المنتشرة .

هل العراق ضمن الخرائط أم لا ؟ 

   على الرغم من عدم وجود العراق في الخرائط المتوفرة أو التي يُروج لها, إلا إنه ضمن الدول التشعبية للحزام الاقتصادي, إذ هناك دول محورية, هي: الصين, وروسيا ودول آسيا الوسطى, وهناك دول توسعية, هي: الدول الاعضاء في منظمة شانغهاي مثل باكستان وايران وغيرها, وهناك دول تشعبية, مثل: دول غرب آسيا ودول الاتحاد الاوربي. أما موقع العراق ضمن طريق الحرير البحري, فله موقع من خلال طريق جنوب آسيا والخليج العربي .

ما اجراءات العراق للانضمام للمبادرة؟ 

   يمكن القول إن اجراءات الحكومات العراقية من حكومة السيد العبادي إلى حكومة السيد الكاظمي واحدة تجاه المبادرة, إذ بدأ العراق بمذكرات التفاهم منذ 22-23/12/ 2015 بزمن حكومة السيد العبادي, التي وقعت لاحقاً (اتفاق إطار التعاون لضمان ائتمان الصادرات) بتاريخ 11/ 5/ 2018, وهو ما يُطلق عليه في العراق بـ (الاتفاقية العراقية الصينية) أو (النفط مقابل الاعمار 100 الف برميل من النفط). وبزمن حكومة السيد عادل عبد المهدي، تم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقات، المكملة لإجراءات العراق السابقة باتجاه المبادرة, ولاسيما في زيارته للصين بتاريخ 23/9/2019. أما في زمن السيد الكاظمي, ونتيجة لطلب اللجنة التي شُكلت في 2018 من أجل تسريع انضمام العراق لمبادرة الحزام والطريق, وتوصياتها في اجتماعاتها في 2019, بضرورة تصويت البرلمان العراقي على الانضمام  لبنك الاستثمار الآسيوي للبنى التحتية, الذي يمكن عده الأداة المالية للمبادرة الصينية, فقد تم تصويت البرلمان في شهر تشرين الثاني 2020, وقد اعلن بنك الاستثمار الآسيوي من خلال موقعه الرسمي بتاريخ 28/12/ 2021, عن ترحيبه بانضمام العراق, كذلك إن مشروع بناء المدارس التي تمت احالتها إلى الشركات الصينية, يأتي ضمن اطار المذكرات العراقية-الصينية, وهذا ما أكده تقرير صادر عن جامعة فودان الصينية في شباط 2022, الذي تضمن القول بأن العراق كان المستفيد الأكبر من مبادرة الحزام والطريق في 2021, ولاسيما في عقود البناء .

ما علاقة ميناء الفاو بالمبادرة ؟

ينبغي تأكيد القول بأن الجدوى الاقتصادية لميناء الفاو قد أُقرت في 2009م, أي قبل طرح فكرة مبادرة الحزام والطريق في 2013م,  إلا إن العراق لم يتردد ببحث أهميته ضمن المبادرة, فكانت من جملة المحاور وتوصيات اللجنة العراقية من أجل الانضمام لمبادرة الحزام والطريق في 2019 هي تأكيد الجهود الرامية لتنفيذ البنى التحتية البحرية والبرية من التمويل الحكومي لتدعيم موقف الدولة تجاه الاستثمار في ميناء الفاو الكبير لاحقاً, وأن يكون ميناء الفاو نقطة وموطأ قدم لخطوط النقل البحرية الصينية, وهنا لا يشمل الحديث عن انشاء المرحلة الاولى, التي تكفل بها التمويل الحكومي, إنما ما بعد الانشاء, التي ينبغي التفكير بها من الآن, كذلك الاشتغال على  مشروع شبه جزيرة الفاو الذي يشمل مدن صناعية وسكنية وسياحية وهذا ما ينبغي التفكير به والتسويق له .

ختاماً, يمكن القول إن الاسئلة التي تم طرحها يمكن عدّها ابرز ما يتم طرحه في الشارع العراقي, والاجابة عنها بالتأكيد ستخضع للتحديث مع أية متغيرات تحصل لاحقاً .

 


بلال وهاب 

يهدد قرار "المحكمة الاتحادية العليا" في العراق - بعدم دستورية قانون الموارد الطبيعية الذي أقرته «حكومة إقليم كردستان» في عام 2007، فضلا عن التداعيات السياسية للقرار - بعضا من المصالح الرئيسية للبلاد، من بينها تطلعاتها نحو الفيدرالية، وعلاقاتها مع تركيا، وقدرتها على جذب الاستثمار الدولي الذي تشتد الحاجة إليه.

في 15 شباط/فبراير، أصدرت "المحكمة الاتحادية العليا" في العراق مرسوما ينص على أن قانون الموارد الطبيعية الذي أقرته «حكومة إقليم كردستان» في عام 2007 غير دستوري، مما قد يؤدي إلى قلب صناعة النفط والغاز في المنطقة رأسا على عقب. واعتبرت المحكمة أن صادرات نفط «إقليم كردستان» والعقود المبرمة مع شركات النفط الدولية غير قانونية، ومنحت "الحكومة الاتحادية" الحق في إلغاء هذه العقود، والمطالبة بملكية إنتاج النفط في مناطق «إقليم كردستان»، وتحميل أربيل مسؤولية عائدات النفط السابقة مقابل مخصصات الميزانية الواردة من بغداد.

ويمكن للحكم الصادر عن "المحكمة الاتحادية العليا" أن يحد من إنتاج النفط في مناطق "الحكومة العراقية الاتحادية"، بالإضافة إلى إلحاقه الضرر بصناعة الطاقة في «إقليم كردستان». وفي الواقع، إن مفهوم فدرالية النفط بحد ذاته معرض للخطر. كما أن القرار يعقد العملية الجارية لتشكيل الحكومة، وقد يؤدي إلى رد فعل عنيف ضد السلطة القضائية التي حافظت على احترام واسع النطاق بين العراقيين.

التداعيات على السياسة وتشكيل الحكومة

على الرغم من سلامة الحكم من الناحية القانونية، إلا أنه تسبب بالفعل في إحداث صدمة في أوساط مختلف الجهات الفاعلة التي تناور خلال الفترة المتقلبة المتعلقة بتشكيل الحكومة في العراق. ويعتقد «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يهيمن على صناعة الطاقة وسياستها في «إقليم كردستان»، أن قرار "المحكمة الاتحادية العليا" بشأن مسألة تم رفعها [أمام القضاء] قبل عشر سنوات له دوافع سياسية، أي محاولة معاقبة الأكراد لانضمامهم إلى مقتدى الصدر، الذي يطمح لقيادة حكومة الأغلبية التي من شأنها تهميش منافسيه الرئيسيين من الشيعة. ويتزعم هؤلاء المنافسون رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقد تحالفوا مع الميليشيات الموالية لإيران، وهو تحالف يمنحهم نفوذا كبيرا على ما يسمى بـ"الدولة العميقة"، ناهيك عن طائرات الميليشيات بدون طيار التي استخدمت لمهاجمة «إقليم كردستان» في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أن مسؤولي «الحزب الديمقراطي الكردستاني» يرون بصمات إيران على حكم "المحكمة الاتحادية العليا"، إلا أنهم يشعرون بخيبة أمل أيضاً لأن الصدر ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وهو الركيزة الثالثة في تحالفهم، لم يفعلا شيئا يذكر لوقف إجراءات المحكمة أو هجمات الطائرات بدون طيار.

وسواء كانت "المحكمة الاتحادية العليا" قد تأثرت بطهران أم لا، فإن دخولها في المسائل السياسية قد عرضها للنقد. وعلى الرغم من أن المحكمة صادقت في السابق على نتائج الانتخابات، مما أثار استياء خصوم الصدر، الذين تكبدوا خسائر كبيرة، إلا أنها حددت أيضا شرطا لنصاب أغلبية الثلثين لاختيار الرئيس العراقي المقبل، مما أعطى الأقلية حق نقض قوي. وقد يعرقل المرسوم النفطي خطط الصدر إذا دفع ذلك بـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» إلى تغيير رأيه بشأن ائتلافه أو مرشحه الأعلى لرئاسة الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي اتهمته «حكومة إقليم كردستان» بالفشل في سحب القضية قبل صدور قرار المحكمة في هذا الشأن.

وفي غضون ذلك، لا يزال «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بعيدا عن شريكه/خصمه منذ فترة طويلة في «حكومة إقليم كردستان»، أي «الاتحاد الوطني الكردستاني». وبدلا من التوحد والضغط مجددا بقوة على "صناعة الملوك" في السياسة العراقية المتصدعة، استخدم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» تحالفه مع الصدر والحلبوسي لتهميش «الاتحاد الوطني الكردستاني». وقبل أن يؤدي قرار حكم "المحكمة الاتحادية العليا" إلى إحداث صدمة بين الأكراد، كان «الحزب الديمقراطي الكردستاني» منشغلا في إنفاق رأس مال سياسي هائل لحرمان برهم صالح، أحد كبار الشخصيات في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، من ولاية ثانية كرئيس للبلاد. وتخشى «حكومة إقليم كردستان» حاليا من أن هناك المزيد من ردود الفعل السلبية من جانب بغداد، من بينها أوامر المحكمة التي تؤثر على سيطرتها على الحدود والممثلين الأجانب.

الآثار المترتبة على الطاقة

لا تستطيع صناعة النفط في البلاد تجاهل قرار "المحكمة الاتحادية العليا". ويقينا، ليس من المقرر أن تتغير صادرات النفط العراقية في أي وقت قريب - فلا تزال تركيا تسمح للنفط الكردي بالتدفق إلى الأسواق الدولية، وقد صرح الكاظمي بالفعل أنه ليس في عجلة من أمره لتنفيذ الحكم. علاوة على ذلك، يكاد يكون من المؤكد أن شركات النفط التي لديها تكاليف باهظة وحصص كبيرة في «إقليم كردستان»، مثل شركة "جينيل إنرجي" وشركة "دي إن أو" (DNO)، ستبقى على ما هي عليه.

ومع ذلك، من المحتمل أن تشعر الشركات التي كانت في طريقها للخروج (على سبيل المثال، "إكسون") بأن القرار يبرر مغادرتها، في حين أن الشركات التي باشرت في المغادرة (على سبيل المثال، "شيفرون") قد تكون متشككة الآن بشأن زيادة الاستثمار. وقد تتضح قريبا تأثيرات متتالية أخرى، فالشركات التي لها حصة في كل من "الحكومة الاتحادية" و«حكومة إقليم كردستان» (على سبيل المثال، "غازبروم" و"توتال") قد تجد نفسها في وضع غير مستقر؛ وقد يتوقف مصرف "سيتي بنك" عن معالجة مدفوعات «إقليم كردستان» لشركات النفط؛ وقد توقف "مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية" استثمارات رأسمالية في مشاريع الطاقة العراقية؛ وقد تجد بغداد وأربيل صعوبة أكبر في التعاون على تعزيز قطاعات الغاز الطبيعي، وزيادة توليد الطاقة، وفطم البلاد عن الإمدادات الإيرانية المبالغ فيها؛ وقد تحبط الجهود المبذولة لجذب المزيد من الاستثمار الدولي في ضوء أحدث الأدلة على أن سياسة الطاقة في البلاد لا تزال في طور الإعداد.

وقد تكون العلاقات العراقية التركية الضحية المحتملة الأخرى. فلن تكون هناك صناعة نفط تابعة لـ «إقليم كردستان» بدون رعاية تركية - وقد سمحت أنقرة للأكراد بتصدير النفط عبر خط الأنابيب الممتد بين العراق وتركيا منذ عام 2014، حيث وصلت كمياته إلى متوسط 430 ألف برميل يوميا في عام 2021. وقد قامت بغداد بتوجيه أنقرة إلى التحكيم بشأن هذه المسألة في "غرفة التجارة الدولية"، مطالبة بتعويض قدره 24 مليار دولار. وبعد سنوات من التأخير، من المقرر عقد جلسة استماع نهائية في تموز/يوليو. ويعزز حكم "المحكمة الاتحادية العليا" فرص بغداد في الفوز بهذا التحكيم، لكن مثل هذه النتيجة يمكن أن تفسد علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع تركيا، التي تحسنت في عهد الكاظمي. أما أنقرة، فقد تعتبر الحكم سببا كافيا لإعادة التوازن إلى علاقاتها لصالح «حكومة إقليم كردستان»، بما في ذلك زيادة التعاون بشأن صادرات الغاز من «الإقليم».

الفيدرالية النفطية، إلى أين؟

عند صياغة دستور العراق ما بعد عهد صدام، كرس واضعو المسودة مبادئ فدرالية النفط مع وضع هدفين رئيسيين في الاعتبار، هما تجنب عودة ظهور دكتاتورية مركزية أخرى، وضمان خدمة الصناعة المعيلة في البلاد للمصلحة العامة وبقاؤها مسؤولة أمام الشعب. ودعا الميثاق إلى قانون جديد للنفط والغاز يكرس إدارة الهيدروكربونات المشتركة بين الحكومات الاتحادية والإقليمية والمحلية.

ومع ذلك، فمن الناحية العملية، لا يزال لدى العراق صناعتان متشعبتان للطاقة - فقد عادت بغداد إلى عاداتها القديمة فيما يتعلق بالمركزية، وأصبح «إقليم كردستان» شبه مستقل بعد محاولة فاشلة لتحقيق الاستقلال الكامل، ولم يتخذ أي من الجانبين إجراءات جادة بشأن قانون النفط، واختارا بدلا من ذلك إبرام الصفقات المؤقتة بمصافحة الأيادي. واستثمرت أربيل في بناء الحقائق على أرض الواقع والاستمتاع بالشرعية التي تمنحها عشرات شركات النفط العالمية التي يتضح موقفها عبر انتقالها إلى الأماكن الأكثر مناسبة لها لاستثمار رؤوس أموالها. وبدلا من وضع سياسة الطاقة الخاصة بها على أسس قانونية وميزانية صلبة، سعت «حكومة إقليم كردستان» إلى التهرب من الوصول الاتحادي من خلال بيع النفط للتجار ومصافي التكرير الإسرائيلية بخصم معين واقتراض المليارات من شركتي "فيتول" و"روسنفت".

وبالتالي، لم يكن مفاجئا ترحيب العديد من العراقيين من خارج «إقليم كردستان» بحكم "المحكمة الاتحادية العليا". ومن المفارقات أن القرار أثار أيضاً شماتة ملحوظة داخل «الإقليم»، حيث أدرك السكان أن الممارسات النفطية المشكوك فيها التي قام بها رؤساؤهم كانت تؤجج نار الفساد أكثر من الوظائف والخدمات العامة. وفي غضون ذلك، تسود القومية النفطية الآن في بغداد، وتغذي سياسات المحسوبية في الوقت الذي تحتج فيه الجماهير التي تدفع الثمن.

التوصيات في مجال السياسة العامة

على الرغم من ترجيح كفة الميزان لصالح بغداد، إلا أن حكم "المحكمة الاتحادية العليا" لا يساعد الحكومة المركزية على التوصل إلى حل عملي لمشكلة معقدة، ولا تستطيع السلطات الاتحادية تحمل ترك صناعة النفط في «إقليم كردستان» في مهب الانهيار. وكان من الممكن أن يفرض حكم بناء بصورة أكبر، إصدار قانون للطاقة ضمن إطار زمني محدد. ودعا القادة من كلا الجانبين إلى الحوار والوساطة، لكنهم بحاجة إلى أن يضعوا في عين الاعتبار أن الأحداث الدولية الأخرى تتنافس بشدة على اهتمام الولايات المتحدة.

وفي الأشهر الأخيرة، نصحت واشنطن حلفاءها الأكراد بوضع تركيزهم على السياسات الضيقة والأحقاد جانبا من أجل إيجاد وحدة الهدف حول تشكيل الحكومة المقبلة. ومع ذلك، لم تضغط عليهم في هذه الجبهة، ومن المرجح أن ينظر المسؤولون الأمريكيون إلى النزاع القانوني حول إدارة النفط باعتباره مسألة داخلية. وكانت المرة الأخيرة التي توسطت فيها واشنطن بجدية في صفقة نفط بين أربيل وبغداد في عام 2008. وكانت إدارة بايدن أكثر انخراطا في الحد من اعتماد العراق على الغاز الإيراني والممارسات الضارة بيئيا مثل حرق الديزل لتوليد الطاقة والاشتعال.

ويتمثل أحد الجوانب المشرقة في أن حكم "المحكمة الاتحادية العليا" قد أيقظ بعض المسؤولين في أربيل وبغداد لإعادة التركيز على إيجاد حل قانوني دائم لخلافات إدارة الطاقة الخاصة بهم. وكلف مجلس الوزراء الاتحادي وزارة النفط بالبحث عن المزيد من الخبرات الأجنبية والمحلية بشأن هذه القضية، بينما أشارت «حكومة إقليم كردستان» إلى أنها قد تقر قانونا جديدا للموارد الطبيعية. وسيكون أي حوار حول هذه الأمور مكثفا من الناحية العملية، مما يمنح الولايات المتحدة فرصة لتأدية دور متعمق وبناء في ضمان استمرار تدفق النفط إلى الأسواق، وتدفق العائدات إلى الشعب العراقي بدلا من الميليشيات والمسؤولين الفاسدين.

ومن الناحية الواقعية، سيستغرق مثل هذا الحوار شهورا أو سنوات قبل إصدار قانون جديد، لذا ففي غضون ذلك، يجب على واشنطن حث بغداد وأربيل على طمأنة شركات النفط العالمية. وتتمتع المصارف الأمريكية ببصمة كبيرة في العراق أيضا، وقد ترحب بتوضيح بشأن حكم "المحكمة الاتحادية العليا". وقد تحتاج واشنطن أيضا إلى إعادة بناء الثقة بين أربيل وبغداد فيما يتعلق بمصلحتهما المشتركة في تحقيق توليد طاقة أرخص سعرا وتقليل التلوث من خلال تطوير قطاعات الغاز وربط شبكات الكهرباء الخاصة بهما.


 يحيى الكبيسي

كتب الدستور العراقي بصفقة بين الفاعلين السياسيين الشيعة والكرد؛ فقد هيمن كلاهما على لجنة كتا


بة الدستور، وكان حضور الفاعل السياسي السني باهتا بسبب مقاطعته لانتخابات الجمعية الوطنية، والتي التزمت بكتابة الدستور العراقي وفقا لأحكام المادة 60 من قانون إدارة الدولة.

هذه الصفقة، التي رعتها أمريكا من أجل تمرير الدستور، حكمتها علاقات القوة شبه المتوازنة بين الطرفين في تلك اللحظة، لهذا استطاع كلاهما أن يضمنا الدستور رؤاه ومصالحه، وفي حال التقاطع، كان الطرفان يلجآن إلى تسويات يتفقان عليها، ومن أهم تلك التسويات موضوع النفط والغاز؛ فقد رفض الفاعل السياسي الكردي أن تكون هذه الفقرة ضمن الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية التي وردت في المادة 110 من الدستور، كما رفض الفاعل السياسي الشيعي أن تكون ضمن الاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم (هنا إقليم كردستان بوصفه الإقليم الوحيد) التي وردت في المادة 114 من الدستور، لهذا كانت التسوية أن يعد النفط والغاز في منزلة بين المنزلتين، بذلك جاءت الفقرتان المتعلقتان بالنفط والغاز بين الاختصاصات الحصرية والاختصاصات المشتركة!

وقد صيغت هاتان الفقرتان صياغة إشكالية لغرض جعلها مرنة قابلة للتأويل، وفق مصالح كل طرف وتبعا للمتغيرات، بينها المتغير الذي قد يطال علاقات القوة؛ فالمادة 111 نصت على أن «النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات» والفقرة الأخيرة «في كل الأقاليم والمحافظات» لم تكن موجودة في مسودات الدستور الأولى، بل أضيفت مع سلة التعديلات التي جرت على المسودة وأُقرت من الجمعية الوطنية 2005، قبل ثلاثة أيام فقط من الاستفتاء العام عليه! فالجملة الأولى واضحة بأن النفط ملكية عامة للشعب العراقي كله ولا تحتاج إلى أي إضافة لتوضيحها، وكان الهدف من الإضافة كان هو فتح باب التأويل على مصراعيه، ليكون معنى العبارة في ذهن من وضعها هي: أن النفط والغاز ليس ملكية للشعب ككل، بل ملكية عامة للشعب في كل إقليم ومحافظة على حدة حصرا، ثم تتحدث المادة 112/ أولا عن قيام الحكومة الاتحادية وسلطات الأقاليم «مع» المحافظات المنتجة، وليس المحافظات كلها، بإدارة النفط والغاز «المستخرج من الحقول الحالية» حصرا، وليس كل ثروة النفط والغاز، وهو ما سيفتح لاحقا صراع التأويل عن معنى «الحقول الحالية» فهل المقصود بالحالية هي الحقول المنتجة (كما عرفها قانون النفط والغاز في الإقليم) أم الحقول المكتشفة المنتجة وغير المنتجة (كما في التعريف الاتحادي)؟ ليس هذا فحسب، بل سيفتح باب التأويل حول معنى «الحقول غير الحالية» التي لم يرد الإشارة إلى أحكامها! هل هي الحقول غير المنتجة فقط، أم الحقول غير المكتشفة أصلا؟ وبالعودة إلى مسودة قانون النفط والغاز التي اقترحتها الحكومة العراقية في العام 2007، سنجد أن القانون قفز على عبارة «الحقول الحالية» الدستورية، وتحدث عن المادة 2/أ حول تطبيق القانون على «العمليات النفطية في جميع مناطق جمهورية العراق»!

وتحدثت المادة 122/ ثانيا عن حق الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة «معا» في رسم السياسات الاستراتيجية الخاصة بتطوير هذا القطاع. إن مفردتي «مع» و «معا» مع وضع مادتي النفط والغاز في منزلة بين المنزلتين ،كان، منذ اللحظة الأولى، موضع صراع على «التأويل» الذي لن تحسمه في النهاية سوى علاقات القوة!

أما المادة 115 فقد نصت على أن «كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم» ولم يقف الأمر عند حد الاختصاصات الحصرية، بل تجاوزها إلى الاختصاصات المشتركة التي ستؤول، في النهاية، إلى الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، فالعلوية فيها ستكون لقوانينهما في حال الخلاف مع القوانين الاتحادية!

لم تكن هذه «الألغاز» الدستورية مجرد رغبات الفاعل السياسي الكردي، بل كانت تلاقي هوى عند فاعلين سياسيين آخرين من الكتل الشيعية الذين كانوا يتطلعون، حينها، إلى إقليم الوسط والجنوب، وبالتالي كان لا بد من «المواد الملغزة» في حال الحاجة إلى التأويل! في2009، وفي احتفالية كبيرة، قامت وزارة النفط في حكومة إقليم كردستان بضخ النفط من حقلي طقطق وطاوكي عبر أنبوب النفط العراقي الذي ينقل النفط من كركوك إلى ميناء جيهان التركي، يومها حضر رئيس جمهورية العراقي وزعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، المرحوم جلال الطالباني هذا الاحتفال، وصرح بأن العقود النفطية التي أبرمتها حكومة الإقليم هي «عقود دستورية وقانونية» وأشار إلى أن هناك اتفاقا مع الحكومة العراقية ينص على أنه «إذا لم يتم في شهر مايو 2007 إصدار قانون النفط والغاز في البرلمان، فلحكومة إقليم كردستان الحق في توقيع عقود النفط والغاز مع الشركات وفق القانون والأصول» ولكنه أشار أيضا إلى أن وجود محاولات لطمس وإنكار هذا الاتفاق الذي تم إقراره في مجلس الوزراء بالإجماع!

خارج إطار التصريحات، لم تتحرك وزارة النفط في الحكومة الاتحادية بشكل جدي أمام هذه الاتفاقات! إلآّعام 2012 حين رفعت وزارة النفط دعوى لدى المحكمة الاتحادية تطالب بالبث في مسألة امتناع إقليم كردستان عن تسليم النفط الخام المنتج من الإقليم إلى الحكومة المركزية واستئثاره بإيرادات النفط المنتج، بالإضافة إلى قيامه بتصدير النفط الخام إلى خارج العراق دون موافقة الحكومة المركزية. ومطالبته بتسليم كامل النتاج النفطي المنتج في الإقليم إلى وزارة النفط الاتحادية.

لن يفهم أحد سر هذا التأخير في رفع الدعوى إلا إذا عرف طبيعة الصراع الذي احتدم في العام 2012 بين الإقليم والحكومة الاتحادية، والذي وصل ذروته حين حدث حراك ثلاثي (الحزب الديمقراطي والقائمة العراقية والتيار الصدري) لسحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء حينها! لم تبت المحكمة الاتحادية يومها في الدعوى، وبقي معلقة. لكن في عام 2014، تقدمت وزارة النفط الاتحادية بدعوى أخرى لدى المحكمة الاتحادية تطالب فيها بإصدار أمر ولائي/ مستعجل بمنع حكومة إقليم كردستان من تصدير النفط، يومها رفضت المحكمة الاتحادية إصدار هكذا قرار وقررت «إن إعطاء رأي أو قرار بشأن الطلب من شأنه أن يعطي إحساسا بالرأي المسبق في مسار الدعوى والحكم» ولم يصدر أي قرار في هذه المسألة على مدى سنوات!

بعد عشر سنوات كاملة، تذكرت المحكمة الاتحادية العليا الدعوى المقامة من وزارة النفط، وضمتها إلى دعوى مقامة في العام 2019، وأصدرت قرارا لا يفسر النصوص الدستورية، بل يشرع قواعد دستورية جديدة! ولا يمكن فهم هذا القرار، بطبيعة الحال، إلا في سياق تحولات علاقات القوة بين الإقليم والمركز (او بالأحرى بين من عقدوا صفقة الدستور) ما بين عامي 2005 و 2022) فهذا التغيير فرض ليس إعادة تأويل النصوص الدستورية وحسب، بل وحتى تحريفها، فثمة من يتوهم اليوم أن «الصفقة» التي أنتجت دستور 2005، لم تعد صالحة للاستمرار!




سلسلة مقالات عن ميناء الفاو الكبير -1-

د. قيس ناصر

باحث واكاديمي

20/2/2022 

    سابقاً, هناك من ينظر إلى طبيعة الفاو من خلال خصوبتها فيصفها بالأرض الخصبة, وهناك من ينظر إليها من خلال ملوحتها فيصفها بالأرض المالحة. يبدو أن هذا الأمر لم يقف عند حدود الطبيعة فحسب, بل وصل إلى ميناء الفاو الكبير, اذ هناك من ينظر إلى العمل الحالي بإيجابية, ويكون موقفه ايجابيا, وهناك من يكون له موقف مغاير . 

   الموقف الأول ينطلق من القول أن مشروع الميناء الذي صادقت الأمانة العامة لمجلس الوزراء على جدواه الاقتصادية منذ 2009 والى 2019, لم يتم انجاز سوى مشروعين, الأول / مشروع الكاسر الشرقي –الذي نفذته شركة اوركيدون اليونانية, والمشروع الثاني/ الكاسر الغربي- الذي نفذته شركة دايو الكورية, وطوال عشر سنوات لم يتم التعاقد أو انجاز سوى المشروعين السابقين, -على الرغم من الموازنات الانفجارية من( 2010-2014), لكن بعد 2019, ولاسيما في 2020, فقد بدأت حركة العمل بالميناء تبدو واضحة من خلال توقيع ثلاثة مشاريع في اواخر 2019 تنفذها شركة دايو وهي: مشروع الطرق الداخلية للميناء, وحوض تصنيع النفق, والسداد الصخرية, وتمت المباشرة بها في شهر شباط 2020, ونتيجة لجائحة كورونا توقف العمل لأكثر من شهرين وتم استئنافه في شهر ايار 2020 ( ونسب انجاز هذه المشاريع الثلاثة عالية على رأي الفنيين, إذ تم انجاز حوض تصنيع النفق بنسبة 100%, ومشروعا الطرق الداخلية والسداد الصخرية نسبة انجازها اكثر مما مقرر لها), أما المشاريع الخمسة التي وقعت في كانون الاول 2020, ووضع حجرها الاساس في نيسان 2021, فهي: ( 1- مشروع الطريق السريع الرابط بين ميناء الفاو ومدينة ام قصر بطول 62 كم, 2- مشروع انشاء هياكل ارصفة منطقة الحاويات 3- النفق المغمور بطول 2444 م 4-  اعمال الحفر والردم 5-  حفر قناة ملاحية ومدخل الميناء) وهذه المشاريع على وفق رأي الفنيين المسؤولين عن المشروع ان نسب انجازها اكثر مما مقرر لها. وهذه الاعمال هناك من يساندها ويدعو الى استمراريتها, ولاسيما ان هناك انجازا على ارض الواقع, فضلاً عن إن تنفيذها بأموال عراقية, وهذا الأمر يرتبط بسيادة العراق وتحسين موقفه التفاوضي –لاحقا- مع اية شركة ترغب بالعمل بالميناء سواء شركات صينية أو كورية او بلجيكية ..الخ.

   أما الموقف الثاني/ فهو ينطلق من القول إن مشروع انشاء الميناء كان يفترض أن تنفذه شركة CMEC    الصينية, وبالنتيجة بما إن الشركة الصينية لم تنفذ المشروع , اذن فالمشروع متلكئ  ولا يمكن انجازه, لذا ينبغي سحب المشروع من الشركة الكورية وتسليمه إلى الشركة الصينية, التي تنفذه بقرض صيني وتقدم اعمال اضافية بشكل مجاني وتربطه بطريق الحرير على وفق رأي اصحاب هذا الموقف. وما ينبغي قوله هنا أن مشروع الميناء قد تم عرضه للاستثمار من 2015 الى اواخر 2018, وقدمت مجموعة من العروض, إلا إنها قد رُفضت, في تلك الفترة -أي في أواخر 2018- في رئاسة الوزراء السابقة ووزارة النقل السابقة وادارة الموانئ السابقة, وتمت دعوة شركة دايو لتنفيذ المشاريع الثلاثة على وفق قرار مجلس الوزراء 63 لسنة 2019 في زمن حكومة السيد عادل عبد المهدي . 

تكملة الحديث في المقال -2-



 


لم أشأ أن أكتب أو أتكلم كثيراً في المشهد السياسي لأسباب كثيرة، منها أنني لم أكن أريد أن أتنبأ بمواقف الفواعل الدولية و الإقليمية وإنما أنتظرت مؤشرات أكثر وضوحا عليها مما توفر، طبعاً مع ملاحظة مهمة أن أكثر المتحدثين في التحليل السياسي العراقي هم، أما موظفين سريين لأحزاب يتحدثون بما تريد، أو متطوعين متحمسين طمعاً في الحصول على موطئ قدم لديها، اقول أغلب وليس الكل، الآن دعوني أكتب بإختصار رأيي

١- كنت أتوقع بدرجة كبيرة أن إيران لن تضحي بأي فرصة للعودة للاتفاق النووي مع الولايات المتحدة خاصة بعد وصول رئيسي الى السلطة الذي احتكر التشتت بين الدولة والثورة الذي أوجده الجنرال سليماني وفرضه كما يبدو على الدولة والمرشد

٢- وكنت أتوقع أن الرئيس رئيسي الذي يعد نفسه ليرث الدولة وموقع المرشد وهو لايزال في خضم (شبابه السياسي) انه سيذهب الى خطوات أكثر عقلانية من تهورات أحمدي نجاد وأكثر حرية من مواقف روحاني المقيد بأصفاد الجنرال سليماني

٣- في نفس الوقت الذي تحاول إيران التوصل الى صفقة نووية مع الولايات المتحدة لا استبعد أن يكون من شروطها (السرية) إفساح المزيد من المجال للدور الأميركي (أو لحلائفه) المحليين والاقليمين في العراق، فإنها تتقدم بثقة للاستحواذ على الفرص الأكبر في مشروع الحزام والطريق الصيني والذي قد يجعلها ذات يوم ليس بعيد القوة الإقليمية الأكبر، واللاعبة على الحبلين الأميركي والصيني بنفس الوقت.

٤- على متابعتي لتغريدات وتحليلات السيد أمير موسوي، فأنه غالباً لا ينطق عن هواه بقدر ما ينطق عن الموقف الإيراني الرسمي، سواء ذلك الذي كان يفرضه الجنرال أو يراه المرشد أو تتفق عليه إيران الدولة والثورة، والتي يبدو أنها أُختزلت في الرئيس رئيسي

٥- من المبكر القول أن إيران قد تخلت عن حلفائها في العراق، لكن يبدو بشكل وأضح أنها ليست بعيدة أو معارضة لرؤية سيدي النجف في إعطاء شيعة العراق (الباحثين على المزيد من الاستقلال عن الثورة الإيرانية الباحثين عن صداقة متوازنة معها “جيراننا أصدقائنا وليس أسيادنا” ) المزيد من الحرية في حراكهم لإعطاء جرعة أمل بنجاح الحكم الشيعي في العراق قبل إن يسقطه الشيعة أنفسهم أو تنتزعه أميركا كما فعلت مع نظام صدام

وبرأيي أن إيران أعطت جرعة نشاط بنفس الوقت لاصدقائها في العراق (شيعة وسنة وكرد) من خلال وجودهم في المعارضة مما يجعلهم أقرب الى ثقة الشعب وثرواته النائمة من خلال نقلها الى ساحة البرلمان والسياسية عبر كتلة برلمانية كبيرة ستكون أقرب بكثير من الكتلة الحاكمة الى النوع التشريني المشاكس في البرلمان

في الختام، أعتقد الآن أن الأهم والأكثر فاعلية لقوى الإطار هو إكمال مسيرة الإلتزام القانوني والدستوري والذهاب بكل رحابة صدر وقبل أن يتفككوا إلى المعارضة، وقبل هذا وذاك إدانة ومنع أي سلوك عنفي قد يصدر من بعض الأطراف المنضمة في الإطار أو المحسوبة عليه.

ورأيي الشخصي ختاماً، أن الرابح هو الذي سيكون في المعارضة ويؤدي دوره فيها بشكل محترف.




محمد توفيق علاوي

موقع العراق الجغرافي يحقق موارد توازي موارد النفط ويوفر مليوني فرصة عمل


( كيف السبيل لتفعيل ذلك؟)


سنتناول اربعة مشاريع استراتيجية يمكن تحقيق موارد كبيرة للبلد وتشغيل ما لا يقل عن مليوني مواطن عراقي، وهذه المشاريع هي:


اولاً: ربط الشرق بالغرب من خلال المطارات العراقية وخطوط الطيران العراقية


ثانياً: المنطقة الصناعية في الفاو


ثالثاً: القناة الجافة وطريق الحرير


رابعاً: كابل الالياف الضوئية للربط بين آسيا واوربا


اولاً: ربط الشرق بالغرب من خلال المطارات العراقية وخطوط الطيران العراقية


إن أكثر الطرق إزدحاماً في النقل الجوي هو الطريق الجوي بين قارة أوربا وشرق آسيا وأستراليا حيث يفوق عدد المسافرين 250مليون مسافر سنوياً قبل ازمة كورونا ومن المتوقع حسب الدراسات المستقبلية بعد انتهاء ازمة كورونا أن يصل العدد إلى 400 مليون مسافر سنوياً عام 2024 ويصل هذا العدد الى 600 مليون مسافر سنوياً بحدود عام 2030.


لقد تحركت الكثير من الدول للإستفادة من مواقعها الجغرافية وتحقيق فوائد كبيرة للبلد وتحريك إقتصاد البلد على عدة مستويات وسنتناول أدناه مطارين في المنطقة و الخطوط الجوية لبلدين:


(1) مطارات اسطنبول ومختلف شركات الخطوط التركية : حيث تمتلك مختلف شركات الخطوط التركية اكثر من (600) طائرة مختلفة، وكان عدد المنتقلين بين اوربا وألشرق من خلال المطارات التركية حوالي (44) مليون مسافر سنوياً قبل ازمة كورونا، أما الموارد المتحققة فتبلغ حوالي (18) مليار دولار سنوياً.


(2) مطار دبي ومختلف خطوط الإمارات : حيث تمتلك مختلف خطوط الإمارات اكثر من (500) طائرة مختلفة، وعدد المسافرين بين اوربا والشرق من خلال مطارات الامارات اكثر من (50) مليون مسافر، أما الموارد المتحققة فتبلغ اكثر (33) مليار دولار سنوياً.


كما ان عدد العاملين فقط في مطار دبي يتجاوز ال90 الف عامل وعدد العاملين في الشركات والمؤسسات التي تعمل لصالح المطار والخطوط في دبي بحدود 400 الف عامل، بمعنى ان مطار دبي يحقق فرص لعمل نصف مليون شخص في الامارات.


التساؤل هنا، هل هناك إمكانية لكي تصبح الخطوط العراقية بمستوى خطوط الإمارات، وأن يمتلك العراق مئات الطائرات، وأن يصبح مطار بغداد بمصاف مطار دبي، وأن يتخذ المسافرون بين الشرق والغرب من مطارات بغداد والبصرة والموصل واربيل والسليمانية وغيرها محطات مرور، وأن تتحقق موارد من هذا القطاع بعشرات المليارات من الدولارات، وأن يوفر هذا القطاع فرص عمل بين نصف الى ثلاثة ارباع مليون مواطن وتتحرك عجلة الإقتصاد، وننهض بالبلد نحو التطور والإزدهار، وبالمواطن العراقي نحو الخير والرفاهية والتقدم ؟؟؟؟


الجواب وبكل ثقة : نعم


ولكن كيف السبيل إلى ذلك ؟؟؟؟


إبتداءً لا يمكن تحقيق أي إنجاز ما دامت هناك محاصصة وما دام الكثير من المواقع تدار من قبل أناس من الجهلة لأن تعيينهم تم عن طريق المحاصصة ، الكثير من المفسدين هم الذين يديرون مفاصل الطيران وبسبب فسادهم وجهلهم وضعت الخطوط العراقية على اللائحة السوداء ومنعت من الطيران فوق الأجواء الاوربية منذ عام 2015 حتى الان، وعندما تحققت من الامر تبين انهم لا يجيبون على الرسائل التي تأتيهم من المؤسسات العالمية للطيران وإجراءات السلامة كالأياتا والايكاو AIATA و ICAO ولم يستطيعوا خلال ست سنوات ان يحققوا مطالب بسيطة بشأن متطلبات السلامة بسبب جهلهم وفسادهم، لذلك كل حديثنا في هذا المجال هو مجرد أحلام ، ولكن إن قضينا على المحاصصة وتم تنحية الفاسدين وجلب المتخصصين والكفوئين والذين يقدمون مصلحة البلد على مصالحهم الخاصة ومصالح احزابهم فحينها يمكن تحقيق الأهداف الكبيرة المذكورة أعلاه وذلك بإتخاذ الخطوات التالية:


(1) إنشاء مطارات جديدة في بغداد والبصرة والموصل وتوسعة مطارات أربيل والسليمانية والنجف مع انشاء مدارج للطائرات الضخمة بالاتفاق مع الصين في التمويل والانشاءات اعتماداً على مبادرة الطريق والحزام، مع وضع خطة متكاملة ودراسة جدوى لشراء طائرات وتأجيرها بحيث تغطي أرباحها فوائد القروض وكلف التأجير حيث المصارف العالمية مستعدة لتوفير القروض بفوائد معتدلة لإنشاء مشروع إستثماري يحقق أرباحاً تغطي الفوائد المصرفية لتلك المصارف


(2)النظر بامكانية الدخول بمشاركة مع شركة أو أكثر من شركات الطيران القائمة والإستفادة من خبراتهم، بل حتى يمكن الدخول بشراكة مع إحدى الخطوط العالمية والإستفادة من خبراتهم الإدارية وتقديم الخدمات وغيرها من الميزات.


(3)هناك سوق للسفر الرخيص حيث تكون الطائرات بمواصفات معينة وبكلف إقتصادية وتكون عادة معبئة بالمسافرين وضمن خطوط مزدحمة كشركة (إيزي جت) (Easy Jet ) البريطانية وشركة (بيكاسوس) (Pegasus) التركية وغيرها، يمكن للخطوط العراقية إنشاء خطوط إقتصادية رخيصة بمسمى آخر لتولي عمليات النقل الرخيص وبالذات في فترات السفر الكثيف للزيارات خلال المناسبات الدينية، فضلاً عن توفير برامج سفرات سياحية رخيصة لذوي الدخل المحدود سواء من العاملين في مؤسسات الدولة أو خارجها.


(4)من المعلوم إن مثل هذه المطالب وهذا التطوير يتطلب وجود أناس على درجة عالية من التخصص في مجال الطيران وإدارة المطارات والتسويق على المستوى العالمي فضلاً عن كادر مؤهل لتمشية مثل هذه الخطط الطموحة سواء في مجال الطيران أو فعاليات المطار، وهذا ما نفتقر إليه في العراق في الوقت الحالي، لذلك لحل هذا الإشكال فإنه من الضروري التعاقد مع أكثر من شخص او شركات متخصصة ممن لهم خبرة واسعة وسمعة عالمية لإدارة الخطوط الجوية العالمية وإدارة المطارات الدولية وتولي عمليات التسويق على المستوى العالمي في مجال الطيران ووكالات السفر سواء كانوا عراقيون او غير عراقيين، نأمل ان تتحقق هذه الانجازات في المستقبل القريب ، حيث يمكن تحقيق طفرات نوعية للنهوض بالبلد وقيادته الى شاطئ السلام والتطور والازدهار إن شاء الله.


ثانياً: المنطقة الصناعية في الفاو


قد يتساءل البعض لماذا المنطقة الصناعية في الفاو، الجواب لأن الفاو يقع في اهم مفصل من مفاصل طريق الحرير، حيث يمكن تصدير الكثير من المنتجات عن طريق البحر الى الصين واغلب دول آسيا وأستراليا، كما يمكن من خلال السكك الحديدية إيصال هذه المنتجات الى كافة الدول الاوربية…..


الصناعات الأساسية هي


الصناعات البتروكيميائية: حيث يمكن ان نضاعف قيمة المنتجات النفطية وبالذات الغاز عدة اضعاف بتحويلها الى مختلف المنتجات البتروكيمياوية وما يرتبط بها من صناعات يمكن انشائها في الفاو كصناعات البلاستك والخزانات والانابيب والاطارات والاسمدة والمبيدات والمنظفات والاصباغ والانسجة وغيرها


مصافي النفط المستقبلية للمرحلة القادمة: ان المعلومات التي سأذكرها ادناه نقلاً عن (البروفسور الدكتور حسين التميمي من البصرة الذي عمل في حقول النفط في الرميلة وفي ابوظبي وفي بحر الشمال في بريطانيا وهو أستاذ في عدة جامعات عالمية في اوربا وأميركا) حيث يقول : [ستقل الحاجة الى النفط بشكل كبير خلال العقد القادم ولكن في نفس الوقت ستزداد الحاجة العالمية بشكل كبير الى الغاز، لذلك المصافي المستقبلية يجب ان تحوي على وحدات حديثة عالية التقنية فيمكن استخدامها في يومنا الحالي لتحويل النفط الأسود الذي يباع بأسعار زهيدة جداً الى غاز وباسعار عالمية عالية، ويمكن لهذه المصافي في المستقبل زيادة نسبة الغاز وتقليل نسبة الوقود السائل، والدولة الرائدة في هذا المجال في المنطقة هي ابوظبي في مصفاة الرويس، يجب ان نفكر ونخطط للمستقبل وبما يحقق افضل النتائج لمصلحة البلد، كما يمكن من خلال ميناء الفاو تصدير الغاز بالبواخر الى آسيا وأستراليا ومن خلال خطوط السكك الحديدية في عربات خاصة الى جميع دول اوربا.


صناعة الالمنيوم: حيث يمتلك العراق المادة الأولية (البوكسايت) بكميات محدودة ولكن كلفة النتاج الأساسية تعتمد على الطاقة حيث يحتاج انتاج الالمنيوم الى الطاقة الكهربائية بشكل كبير والتي يمكن انتاجها من الغاز، ان وضع العراق مماثل للامارات كمعامل (دوبال) في دبي والتي تنتج مع معامل أخرى حوالي مليونين ونصف مليون طن تحقق وارداً بعد إعادة التصنيع لا يقل عن عشر مليارات دولار سنوياً مع العلم ان الامارات تستورد اغلب المواد الأولية من افريقيا، يمكن توفير مئات المعامل لصناعات الشبابيك والابواب والمطابخ وغيرها وتصدير كميات كبيرة الى خارج العراق، كما يمكن توظيف مئات الآلاف من العاملين في هذا القطاع.


إنشاء معامل سمنت بمواصفات عالية: استناداً الى إضافة بعض المنتجات الثانوية من مصافي النفط الحديثة حيث يمكن ان يتصلب السمنت في اقل من نصف الفترة المطلوبة للسمنت العادي وبالتالي تقليص فترات البناء الى اقل من النصف.


صناعات أخرى: كصناعة السفن والزوارق، صناعات التمور وتعليبها، تربية الروبيان وتصديره من خلال المطار الى كافة دول العالم، صيد الأسماك وحفظها وتعليبها لبيعها في العراق او خارجه وصناعات أخرى لا يسع المجال لذكرها وبالذات الصناعات الانشائية ….


مثل هذه المنطقة الصناعية يمكنها بكل سهولة استقطاب بين نصف مليون الى ثلاثة ارباع المليون مواطن للعمل في هذه القطاعات بشكل مباشر وغير مباشر …..


ثالثاً: القناة الجافة وطريق الحرير


لقد بدأ الالمان عام 1903 بالاتفاق مع الدولة العثمانية بإنشاء خط السكة الحديدية بين برلين الى بغداد والبصرة وبذلوا جهوداً جبارة امتدت لفترة 37 سنة تخللتها فترات توقف وبالذات فترة الحرب العالمية الأولى وبنوا عشرات الانفاق في الجبال التركية حتى تم افتتاح الخط عام 1940 حيث بدأت القطارات تسير من البصرة وبغداد إلى برلين، وتوقف الخط في نهاية الحرب العالمية الثانية ثم عاد للعمل وتوقف في بداية ثمانينات القرن الماضي، من هذا نعلم ان الجزء الكبير والصعب والمكلف من الربط السككي بين العراق واوربا قد تحقق من قبل الالمان من مسار ممهد ومعبد ومن البنى التحتية من انفاق وجسور ومحطات ولهذا نقول ان إعادة طريق الحرير مع الصين لا يحتاج إلا لإكمال ميناء الفاو وخطوط مزدوجة للسكك الحديدية تمتد من ميناء الفاو الى تركيا، وفي حال تفعيل الاتفاقية مع الصين فالامر يحتاج فترة بسيطة لتفعيل القناة الجافة وخط الحرير في الربط بين الصين واوربا من خلال العراق ومن ثم تحقيق موارد سنوية بمليارات الدولارات، لقد التقيت عام 2006 بالمرحوم جوزيف حنا الشيخ واطلعني على خرائط ومخططات ضخمة لإنشاء ميناء الفاو الكبير مع مدينة صناعية ومركز ضخم لرجال الاعمال وطلب مني مساعدته في التفاهم مع الحكومة لإنجاز هذا المشروع المهم والعظيم مع استعداده الكامل لتوفير التمويل مع بعض المتطلبات، وتحدثت مع المسؤولين في ذلك الوقت الذين كانوا قد اطلعوا على هذه المخططات وهذا العرض المميز ولكن للأسف لم اجد أي تجاوب او اهتمام، فضلاً عن ذلك قررت وزارة النقل ان تتبنى هذا المشروع وخصصت ميزانية كبيرة وعرضت الصين تمويل المشروع وانشائه، ولكن للأسف الشديد الكثير من افراد الطبقة السياسية كان همهم تحصيل العمولات، ووصل الامر في احدى المراحل ان يتم التوقيع على العقد ولكن كان الاختلاف على نسبة العمولة، والآن ترون الفوضى العارمة، هل نمضي مع كوريا او نمضي مع الصين، للأسف الهدف ليس مصلحة البلد بل المصالح الخاصة والمصالح السياسية من منطلق المصالح الخاصة ايضاً، نستطيع ان نقول للأسف بسبب الفساد لم يكمل هذا المشروع الحيوي والمهم حتى الآن، نأمل من الحكومة القادمة ان توفر كادر مهني من المتخصصين وغير الفاسدين لتحقيق هذا الإنجاز الكبير لمصلحة العراق والمواطن العراقي.


رابعاً: كابل الالياف الضوئية الذي يربط الشرق باوربا


خطوط الاتصالات العالمية تمر عادة من خلال كابلات الالياف الضوئية التي تمر عبر قنوات برية او بحرية، ولكن القنوات البحرية بها الكثير من الصعوبات لأن تصليح القطوعات في البحر صعب جداً، لذلك يفضل الخط البري، ولكن لا ترغب الدول ان تمرر كابلاتها من خلال روسيا او ايران خوفاً من سيطرة هذه الدول على الاتصالات، لذلك تنافست الدول لتمرير هذه الخطوط من خلال أراضيها لما تدر عليها من أرباح كبيرة فقامت السعودية بالتخطيط لمشروع JADI بداية الحروف ل جدة Jeddah– عمان Amman– دمشق Damascus- اسطنبول Istanbul، وتحركت الامارات لمد خط آخر تحت مسمى RCN يمر من الامارات والسعودية والأردن ثم سوريا والى تركيا، ولكن هذان المشروعان توقفا بسبب الاحداث في سوريا، ولا يوجد طريق بري آخر غير طريق العراق تركيا، وقد شرعت بانشاء هذا الخط عام 2011 عندما كنت وزيراً للاتصالات وذلك بمد كابل من الالياف الضوئية بمواصفات عالية وبعمق لا يقل عن 3 أمتار وتلافي مروره بقدر الإمكان داخل المدن ولكن بعد تركي للوزارة عام 2012 حتى بدأت المفاوضات والنزاعات بين الأحزاب السياسية الفاسدة لتحقيق فوائد شخصية وحزبية من هذا المشروع بسبب المحاصصة ولم يفعل هذا المشروع بهذه المواصفات وإنما تم تمرير السعات من خلال الشبكة الحالية بكفاءتها الضعيفة بسبب كثرة القطوعات ولم يخصص خط خاص لهذه المشروع المهم والذي من الممكن تغطية كلفه من عمل المشروع لسنة واحدة فقط.


نأمل ان تكون الحكومة القادمة بعيدة عن المحاصصة لتكون قادرة على إنقاذ البلد من وضعه المأساوي والنهوض به لتحقيق التقدم والازدهار والرفاه والسعادة لابناء وطننا الأعزاء .

 


فلاح المشعل 

يشهد تاريخ العراق على ماقدمه الاحتلال البريطاني من تأسيس للبنى التحتية للدولة العراقية من مشاريع النقل مثل سكك الحديد والموانئ والطيران واستكشاف النفط وتصنيعه وتصديره، كذلك في الصحة والتعليم والطرق والجسور وقوانين الإدارة والماليةويطول الحديث عن منجزات مازالت شاخصة الى وقتنا الراهن، رغم انقضاض الطائرات والصواريخ الامريكية عليها في حربين أنتهت بإحتلال امريكي جارف للعراق .

      جاء الإحتلال الامريكي حاملا لوعود واحلام الديمقراطية التي يشكو جفافها مناخ العراق السياسي  منذ سقوط نظام الملكية، واستبدل تلك الوعود بنظام سياسي هجيني يحمل عناوين ديمقراطية، لكنه يقوم على تفريق الآصرة الوطنية على أسس مكوناتية تحمل معها أسباب احترابها، وتضع نيران خلافاتها تحت رماد فسادها المتخادم بين أحزابها وشخوصها التي أوكل لها الإحتلال تمثيل طوائفها واعراقها بنحو شكلاني احتكاري زائف، سرعان ما فضحته الاحداث وأسقطته احتجاجات الجماهير العراقية من شمال الوطن الى جنوبه .

       كشف الاحتلال الامريكي عن عدم امتلاكه لمشروع استراتيجي في العراق، وبات الأمر مترددا بين الادارتين الجمهورية والديمقراطية، مابين الانسحاب أو البقاء في العراق !؟ احتلال غير معني بالتحولات الكارثية التي اصابت العراق بوجود سلطة متشكلة من احزاب وتشكيلات تتبع ولاءها الطائفي، وتنتمي لعمقها الأثيني والقومي وتهمل كل مايعني بالمواطنية العراقية وحقوقها ، واقع سمح بإمتدادات وتدخلات ناعمة وصريحة لدول جوار العراق تحت انظار السفارة الامريكية، وبرغبة الاحزاب الحاكمة التي وفرت بيئات مستقبلة حتى غدا التواجد العسكري والميليشياوي لدول الجوار صارخا ومتحديا للنظام السياسي المسخ والهش وطنيا ، ماجعل دول الجوار تجد فرصتها التاريخية لتمارس النهش والتسليب الانتقامي من العراق الذي أرهبها طوال نصف قرن بقوة نظامه الدكتاتوري وسلاحه الفتاك واستعداده الدائم للحرب، مهما تعارضت الظروف ، وهو ماساهم بسرعة سقوطه المدوي عام 2003 .

       نستطيع القول أن سياسة ايران في العراق نجحت أكثر من السياسة الامريكية، فالامريكي يتعامل مع القوي على الأرض، بينما الايراني يصنع القوي على الأرض تحت أكثر من عنوان، تارة بولاءات طائفية عقائدية، وأخرى تحت غطاء اسلاموي،وثالثة في حسابات النفوذ والمواقع المهمة في العراق، حتى صارت المواقع الرئاسية والوزارية والأمنية بالدولة لاتمر دون ختم موافقة طهران التي زحفت حتى الخط الثاني والثالث من مواقع المسؤولية بالعراق .

    تفوقت سياسة ايران على امريكا بالعراق في سعيها لوجود نظام سياسي هش وضعيف ل”الدولة” والى جواره تشكيلات عقائدية مدنية وميليشياوية تمثل أذرع عسكرية لها، ومابين الأثنين تشتغل آليات اللادولة لتتوازن او تتفوق على الدولة ، وبهذا تستحكم بمراكز السلطة الفعالة ،المال والأمن والقضاء ، مستفيدة من الصناعة السياسية الامريكية لنظام سياسي عراقي مغترب وبلاحدود أو هوية مواطناتية عراقية .

      السلطة القوية تكتسب طاقة استمرارها من الشعب وبالقدر الذي توفره له من حقوق وحريات ورفاهية عيش وخدمات، وتفقد طاقتها على الاستمرار مع قسوة الواقع وتضخم المعيشة وتزايد الأزمات وسقوط الاقنعة الطائفية والعرقية ، كيف يكون الحال ونحن نتحدث عن حكومة هشة فاسدة وضعيفة مراكز سلطتها تخضع لتبعيات طائفية واستقطابات دولية !؟ نعم انكشفت حقائق السلوك السياسي لاحزاب الفساد ونهب ثروات البلاد حتى أصبح العراق مثالا عالميا للتخلف والفساد القياسي !؟ عندها استيقظ الشعب على احتجاجات عارمة تواصلت منذ عام 2011 وتوجت بثورة تشرين 2019 التي رفعت درجة الغضب والرفض لأحزاب السلطة وتمدد دول الجوار ، ولم تزل إرادة تشرين تمد جذورها في جميع أرجاء الوطن العراقي الذي صار يعلن صراحة بمقاطعة الانتخابات ورفض النظام السياسي إذا لم يُصلح من سلوكه ويخرج من بحر الفساد .


 


علاء البغداديّ

في أوّلِ ظهورٍ إعلاميّ له بعد الاحتلال الأمريكيّ عام 2003، سأله مراسل قناة العربيّة (وائل عصام) عن موقفه من التّواجد العسكريّ لـ(قوّات التّحالف) على الأراضي العراقيّة، أجاب ذلك الزّعيم الشّاب، الغريب عن المشهد الإعلاميّ والقياديّ، أجابه بكلّ هدوءٍ وخجلٍ بأنّه سيقاوم هذا التّواجد غير المشروع، لأنّه (احتلال)، وأنّه سيقاومه ثقافيّاً وعسكريّاً.

كان هذا هو المُفتَتَح والإستهلال الذي بدأه مقتدى الصّدر لكتاب (المقاومة) في عراق ما بعد 2003، والذي تَمّ رفضه من قبل الجميع، لأنّه لا يتناسب وضرورة المرحلة الدّيمقراطيّة التي جاءت بها سُرف الدّبّابات التّحرّريّة.

كان ذلك الزّعيم الشّاب يُغرّد خارج السّرب السّياسيّ العراقيّ عموماً، والشّيعيّ على وجه الخصوص، فأيّةِ مقاومةٍ هذه التي يتحدّث عنها منذ الأيّام الأولى لسقوط الحكم البعثيّ، وهذا ما طَرَحَه عليه مجموعة من أعضاء (مجلس الحكم) في زيارتهم الأولى له، وكانوا يحاولون إقناعه بالتّخلّي عن فكرة (المقاومة) وقد عَرَضوا عليه رئاسة مجلسهم سيء الصّيت والفعل، بل وعَرَضوا عليه زعامة العراق السّياسيّة، لكنّه رَفَضَ كُلّ تلك العروض، لأنّه يؤمن تمام الإيمان من خلال الأسس العَقَديّة والثّوابت التي يرتكز عليها بأنّ الاحتلال هو شَرّ مطلق ولا يتأتّى منه إلّا الخراب، فضلاً عن رؤيته الإستشرافيّة للمآلات التي سينتهي إليها العراق في ظلّ الاحتلال العسكريّ الأجنبيّ.

ومنذ ذلك الحين، أصبح مقتدى الصّدر – وتَيّاره الفَتي - هو مصدر القلق الحقّيقيّ للمشروع الأمريكيّ في العراق، لإدراكهم حقيقة البُعد الوطنيّ في شخصيّة هذا الزّعيم وتَيّاره، وأحقّيّته في الانتماء العراقيّ، فراحوا يبحثون عن أيّةِ مُبرّرات للقضاء عليه أو على الأقلّ تقويض دوره المُعَطِّل لمشروعهم.

أصدرَ الحاكم المَدنيّ الأمريكيّ في العراق قراراً بغلق جريدة (الحوزة)، الصّحيفة الرّسميّة النّاطقة باسم (التّيّار الصّدريّ) بسبب مقالٍ إفتتاحيّ شاركت بكتابته وكنت مسؤولاً عن نشره كوني كنت نائباً لرئيس تحرير الجريدة، حَمَلَ المقال عنوان (السّفيه بريمر)، وبهذا سقط قناعاً آخراً من أقنعة الدّيمقراطيّة الأمريكيّة خصوصاً فيما يتعلّق بحُريّة الإعلام، ومن هنا كانت الشّرارة لإندلاع المواجهات العسكريّة العَلنيّة بين (التّيّار الصّدريّ) والقوّات الأجنبيّة بقيادة الجيش الأمريكيّ.

كانت المقاومة الصّدريّة تمتلك كافّة الإشتراطات والمُبرّرات الشّرعيّة والإنسانيّة للفِعلِ المُقاوِم، لا سيّما بعد أن أصدر مجلس الأمن الدّوليّ قراره الذي وصف التّواجد العسكريّ الأجنبيّ في العراق بأنّه (احتلال)، لكن حتّى هذا لم يمنع البعض من أن يكونوا مَلَكيين أكثر من الملك، واستمرّوا في ممارسة (الإنبطاح) السّياسيّ أمام سرير الإحتلال الأمريكيّ الدّيمقراطيّ!

استمرّت المقاومة الصّدريّة العسكريّة ضدّ الإحتلال الأمريكيّ بأبهى صورها، فكانت واضحة القيادة والخطاب والفعل والأثر والتّأثير، مع التّأكيد على مطالبات الصّدر المُتكرّرة والمُتكثّرة بضرورة الإنسحاب الأمريكيّ أو جدولته كمرحلةٍ أولى، أيّ أنّه كان يُمارس المقاومة في شَقّيها العسكريّ والسّياسيّ حتّى الإعلان عن (الاتّفاقيّة الأمنيّة) المُخزية والتي كان (التّيّار الصّدريّ) أوّل وأشدّ المُعارضين لها.

تَكَبّد الجيش الأمريكيّ الخسائر الفادحة في العُدّةِ والعديد جَرّاء المعارك مع (التّيّار الصّدريّ) بإعتراف كِبار قادته ومن خلال وسائل الإعلام الأمريكيّة والأوربيّة، حتّى قالوا بأنّ الأشباح خَرَجت لقتالنا من قبور النّجف، لعدم إدراكهم بأنّ شباب المقاومة الصّدريّة كانوا يتربّصون لهم ليلاً في سراديب المقبرة، فضلاً عن العَمليّات النّوعيّة الدّقيقة التي قامت بها بعض مجاميع المقاومة، والتي أسفرت عن اقتحام العديد من المقرّات العسكريّة الأمريكيّة وخطف الكثير من الجنرالات والجنود الأمريكان، وبعض تلك العَمليّات كانت بعلم زعيم (التّيّار الصّدريّ) وبإشرافه شَخصيّاً.

مما تجدر الإشارة إليه هنا، هو أنّ كُلّ الفصائل والمجاميع التي تطلق على نفسها اليوم لقب (المقاومة) كانت تقاتل الاحتلال تحت قيادة مقتدى الصّدر وتَيّاره، بل وأنّ نسبة 90% من فصائل (الحشد الشّعبيّ) خَرَجَت من رَحِم (التّيّار الصّدريّ).

لذا، فإنّ أيّ حديثٍ عن مهادنة مقتدى الصّدر وتَيّاره للأمريكان، ما هو إلّا محض سُخرية وأضحوكة، فهو أوّل من دَشّن مفهوم المقاوَمة وكان مصداقه الأوضح وشاخصه الأبرز، إلّا أنّ الإشكاليّة التي لا يَتمكّن البعض من فَكّ مغاليقها، هو عراقيّة الهويّة الصّدريّة ووطنيّتها، لأنّ العراق ومصالحه هي البوصلة التي يتوجّه صوبها مقتدى الصّدر، فهو يُقاوم عسكريّاً متى تَطلّبت مصلحة العراق وشعبه، ويُقاوم سياسيّاً وثقافيّاً وفق المصلحة ذاتها، وبعبارةٍ أخرى أنّ المقاومة هي الإستراتيجيّة الثّابتة التي يعتمدها الصّدر، لكنّه يختلف في ممارسة التّكتيك من مرحلةٍ لأخرى.

مَن يعترض على مطالبة مقتدى الصّدر بضرورة التّعاطي مع الملفّ الأمريكيّ سياسيّاً وبشكلٍ عُقلائيّ، تحت ذريعة أنّ الصّدر تَخلّى عن مقاومة الأمريكان، هو واهم وموهوم، لأنّ أمريكا لا تخشى من الصّواريخ (العوراء) التي لا تعرف الوصول إلى أهدافها، بل تخشى ممن يسعى لإخراجها وفق السّياقات السيّاسيّة المُعتَمَدة دوليّاً.

فقبل أن تحاولوا إرشاد الصّدر وتَيّاره إلى الصّواب، حاولوا إرشاد صواريخكم لصواب أهدافها..



الجمهورية الحيوانية بين الدليل المضمر و مؤولات المنظور الروائي

توطئة:

لعل ما ذهب إليه جورج أورويل في مسافات و مضاعفات دلالات روايته (مزرعة الحيوان / ترجمة محمود عبد الغني ) كان بمثابة العلاقة المعادلة التي لا تكتمل إلا بتنوير المتابعة في تحول عناصر الواقع النواتي في مؤهلات الدال العاملي في النص ، إلى فئات خاصة من الفارق و الفوارق النوعية في مناظرات الاعتراف بمدى هيمنة العلاقة الدكتاتورية إزاء مواقع و بيانات الخاصية الدونية من النوع البشري ، لذا نجد الروائي راح يتعامل مع محاور و فئات روايته على أساس من طابع هزالة النوع الأدنى ، و كيفية تأثير و تغليب المستوى الأعلى من الفئة السلطوية الطاغية على مصادرة حقوق و حاجات الفرد المجتمعي و بأبخس مدى من سياقات القهر و النهب و التحقير و التقزيم إليه . و على نحو ما من دلالات المجتمع الحيواني كوسيلة صغرى و أدنى من المقايسة في غاية التمثيل السردي في الرواية ، وتبعا لهذا أخذت محاور العوامل الشخوصية في المجتمع تتحول إلى فواعل من الكفاءات المتمثلة بنموذج العنصر الحيواني و التي تحيا تحت خاصية من النوعية المهانة من قبل المرسل ( الفاعل المنفذ / مفعول و متلقي التفعيل ) إي من قبل جهات تحقيق الفعل التداولي للسلطة المتحكمة في مصير الأفراد و الفرد ، وهكذا وجدنا جميع كيانات الرواية التي هي من الفئة الحيوانية تمثيلا تحكمها علاقات إيجابية و سلبية مع جهة السيد جونز صاحب مزرعة القصر و زوجته ، ولكن تبقى ارتباطات هذه الزوجة مع حظائر الحيوان شبه مغيبة ،على العكس من مستوى علاقة زوجها السيد جونز ، فهو عادة ما يسيء المعاملة و التصرف مع ميعة تلك الحيوانات المكونة من مجموعة من الخنازير و الأبقار و الخراف و الخيول و الدجاج و الأوز و القطط .

ـ ضمنية العلاقة بين وحدات السرد الروائي .

و سنحاول في هذا الفرع المبحثي من دراستنا ، متابعة و تقديم و تحليل أهم المحاور الواردة في معرض وحدات ضمنية السرد الروائي في محددات من الفصول الأولى من النص ، حيث نكتشف بأن مادة الحكاية الروائية تتحدد في تمظهرات العلاقة السلبية للشخصية جونز إزاء رعية تلك الحظيرة المتكونة من الضمير الحيواني الجمعي في الخصائص و في خلاصة النوع و فاعلية مستوى التفكر و الوعي ما بين مواقع تلك العناصر ، فيما تبقى من جهة ما غاية في الأهمية المستويات و الأبعاد كـ ( التبئير ـ البنية الزمنية ـ الصيغة السردية ـ التفاعل النصي ) ضمن حدود فضاء خطي من الحكي ، كما تستمد العناصر الحيوانية في الحظيرة جملة سلوكياتها من فكرة واقع التمرد و العصيان و الثورة في وجه الطاغية صاحب المزرعة التابعة للقصر ، حيث نلاحظ أن حكاية الرواية تتلخص ، كما أخبرنا جورج أورويل بذلك على حد قوله في مقتطفات ما من ترجمة الرواية ( مزرعة الحيوان حكاية حيوانات تقدم هجاء ساخرا و نقدا للأنظمة الشمولية لسلطة ستالين حينذاك و انحرافاتها السياسية ) و على هذا الأساس وحده ، نعاين ذات يوم اتفقت جميع الحيوانات في المزرعة ، بعد أن دفعتها المبادىء السامية لدى العنصر العجوز (ميجر) إلى أن تقوم بالثورة ضد الشخصية جونز سيد المزرعة ، و الذي عادة ما يكون ثملا طوال اليوم : ( تفاصيل ـ ما أن أنطفأ نور الغرفة ، حتى صدرت عن بنايات المزرعة رفرفة الأجنحة ، تحولت في ما بعد إلى إلى ضجيج .. لقد ترددت خلال اليوم إشاعة أن ـ العجوز ميجر ـ رأى حلما غريبا ، في الليلة الماضية ، رغب في أن يتحدث فيه مع باقي الحيوانات . العجوز ميجر هو خنزير كان قد توج أيام شبابه ، بطلا بين أبناء جنسه / كان بالنسبة إلى الجميع الحكيم العجوز ، اتفقت جميع الحيوانات على أن تجتمع في الحظيرة ما أن يختفي السيد جونز . كان العجوز ميجر يحظى باحترام كبير إلى درجة أن الجميع كان مستعدا لتحمل السهر حتى يستمع إلى ما سيقوله . / ص13 ص14 الرواية ) .

1ـ جدل الرؤية و علاقة رؤية المعادل النصي :

ولعل من الأهمية بمكان معاينة الروابط الوحداتية في متن الحكاية ، لنجدها تتعاضد سويا في خطاب ثنائية الخطية الخطابية في النص ( الفاعل الخارجي = الفاعل الداخلي ) ورغم أن أحداث الرواية أكثر تركيزا و اختزالا في محاور مستوى الزمان الحيواني العاقل ، مما جعل من أفعال الرواية في وظيفة ( المعادل النصي ) أكثر مركزية إلى جهة محددات ( الراوي المستشرف ) فعلاقة هذا الراوي مع عناصر السرد أكثر استباقية من قيم الاسترجاع لدى العناصر النصية ، فيما تبقى جميع معاملاته إزاء أداة مسرود الخارج و الداخل أكثر تزامنية . و على أية حال تكشف لنا أحداث الرواية أجواء جدال المحاور فيها نحو عملية العصيان و التحرر من هيمنة صاحب المزرعة ، و التي تمثلت أخيرا بطرده من المزرعة : ( تفاصيل ـ العدو هو كل من يمشي على قدمين ، و الصديق هو من يمشي على أربع أو يطير ، لا تنسوا أيضا أن المعركة ذاتها لا ينبغي أن تغيرنا فنصبح مثل العدو ، وحتى عندما ننتصر عليه ، يجب أن نحتاط من رذائله ، لن يسكن الحيوان بيتا أبدا ، ولن ينام على سرير أو يرتدي ثيابا ، لن يشرب الخمر أو يدخن تبغا ، لن يلمس نقودا ، ولن يعمل في التجارة ، فكل عادات الأنسان هي عادات سيئة .. و الأهم من ذلك كله ، هو أن لا يستبد حيوان بحيوان آخر . / ص21 العجوز الحكيم ـ الوصايا السبع ـ الرواية ) .

2ـ المؤشرات النصية و مقاربة التأويل المرمز :

نعاين بأن حصيلة التحولات الدلالية في وحدات السرد الروائي ،غدت أكثر تأشيرا بمحفزات التأويل و الإيحاء و الإزاحة في المقاربة النصية المتكونة في معادلات موضوعة العنصر الحيواني العاقل في الرواية . الأمر الذي يدفعنا إلى فهم المؤشرات التعادلية و المعادلة في مستوى خطاب النص على النحو الخاص من التأويل و المؤول ، مما يجعلنا نفهم الخلاصة الكيفية في وضع تلك المحتملات في دلالة أفعال الحيوان الناطق في النص ، فنحن عندما نراجع مستوى خطاب العناصر الحيوانية في النص ، نجدها ضدا للإنسان و انحرافاته السلوكية إزاءها ، مما لا يوضح لنا هذا المستوى جانبا إحاديا من صورة الإنسان وحده في علاقته السيئة مع الحيوان ، و أنما يوضح لنا معاناة الحيوانات مع بعضها عندما يتولى نابليون الخنزير مهام قيادة المزرعة ، لذا نجده يمثل الصورة السلبية في مراحل سيادة الإنسان الطاغية على الحيوانات في الحظيرة ، وصولا إلى أنه صار يحمل السوط على أقرانه من الحيوانات و يحتسي الخمر و ينام على سرير السيد جونز الإنسان صاحب المزرعة سابقا ، و بالتالي يقدم أعز الحيوانات قربانا إلى الجزار عندما يتعرض هذا الحصان إلى حادث في أحدى ساقيه ، كما و توضح فكرة الرواية من جانب آخر مظلومية الشعوب من جراء حكامها و أحكامهم القاهرة ضد أفراد الشعوب المسكينة ، و بالتالي فهذه الفكرة لا تقدم لنا وحدها انجازا مثمرا ، ما لم يقدمها جورج أورويل على لسان تفاصيل خاصة و دالة و أكثر تركيزا في بؤرة مثال مظلومية الحيوان في واقع قدره الأليم ، و الذي هو بالنتيجة يشكل ذلك المعادل التأويلي لقضايا الإنسان الرازحة تحت بطش سياط الحاكم السياسي الظالم في صورته التأريخية و المعاصرة . فقد رأينا في أحداث رواية ( مزرعة الحيوان ) تلك المشاهد الحيوارية المتفرقة التي تعبر عن حالات الكفاح الحيوانية من أجل التقدم في إنشاء تقانة الطاحونة مثلا ، و تعديل مواقع الحظائر عبر تلك النسب الجيدة من صناعة الأنموذج المعماري المرموق في مخادع مآكل و مشارب و منامات الفئة الحيوانية الناطقة ، وصولا إلى تفاصيل متقدمة في تبادل الأغراض و بيع محاصيل المزرعة إلى أصحاب دكاكين البقالة ، ما جعل للحيوانات قيمة تحررية خاصة أخذت تصل في خبرها في كل أرجاء المزارع المجاورة لمزرعة الحيوان ، وذلك لخصوصية نظرتها الاستقلالية السيادية التامة لها و طردها لطاغوت الإنسان عنها ، فقد أبتدع لها الخنزير العجوز ميجر أغنية وطنية و لائحة وصايا دستورية خاصة بدولة الحيوان في هذه المزرعة تحديدا : ( تفاصيل ـ غير أنني اليوم ، سأغنيها أمامكم ، لقد تقدمت في العمر ، ذلك مؤكد ، وصوتي أصحب أجش ، لكنكم عندما تتمكنون من اللحن ، ستجدون أنفسكم فيها أفضل مني . عنوانها هو ـ حيوانات إنجلترا : ( حيوانات إنجلترا و إيرلندا .. حيوانات كل البلدان .. أصغوا إلى الأمل .. لقد وعدتم بعصر ذهبي .. الإنسان الظالم مصادر .. ستعرف حقولنا الخصب .. نحن فقط من سيطؤها .. لقد جاء يوم الخلاص .. ستختفي الحلقات من الأنوف .. ستختفي السروج من ظهورنا .. ستسقط السياط المجرمة .. الثروات ستتجاوز أحلامنا .. القمح و الشعير و التبن .. البرسيم و الجلبان و الشمندر .. سيكون لكم منذ اليوم . / ص21ص22 / أنشودة حيوانات إنجلترا ـ الرواية ) أستدعى هذا النشيد حماس الحيوانات في الحظيرة ، و كان قد أزداد قبولا و التصاقا في مشاعر الرفض لحاكمية البشر على أرض المزرعة ، أجل لقد تسلمته أذهان كل الفئات العاملة من الخنازير و الخيول و الأبقار و الحمائم في المزرعة بروحية عالية ، وعلى هذا النحو تقدم لنا الرواية أبشع وثيقة لإدانة كائنية الإنسان و إلى ذلك الغراب الذي كان يصاحب السيد جونز ، و الذي كان فيما مضى بمثابة المخبر الأمني الذي ينقل أخبار الحيوانات بطريقة الوشاية إلى صاحب المزرعة ، كان يدعى هذا الغراب بأسم ( موسى ) ومن هذا الأسم نعلم مقاصد التأليف لدى صاحب الرواية الناقمة على دين و شخص النبي موسى و التوراة فهو على حد تمثيل الرواية كان يجسد دورا قريبا من دور النبي موسى كليم الرب ، وهذا الأمر ما يوضح لنا حجم المعادلة و المقاربة بين ذلك الغراب و صورة النبي ، وهذا الأمر بحد ذاته يشكل إساءة كبيرة بحق الديانة اليهودية خاصة ، وذلك عندما يمثل دور الغراب في الرواية بفعل الوساطة ما بين الحيوانات و صاحب المزرعة جونز ، فيما يكون موضع هذا الأخير في الرواية بمثابة دلالة الرب . هذا ما فهمناه من وراء هذه الوظيفة في التسمية من قبل أورويل ، و إلا ما كانت ضرورة تسمية الغراب الحيواني المذموم عرفا بأسم موسى النبي عليه السلام . على أية حال يوافينا في الرواية خبر موت الحكيم الخنزير ، بعد عملية التحرير من الإنسان في المزرعة ، و بعد أن أصبحت الحيوانات من يدير شؤونها و شؤون المزرعة مع بعضها البعض . و سرعان ما فازت فئة الخنازير بأخذ زمام رئاسة المزرعة ، فيما برز الخنزير نابليون من بينها دكتاتورا فذا ، و قد نشبت العداوة و الكره في نفسه ضد زميله الخنزير سنوبول مما جعل الأخير يغدو طريدا خارج المزرعة بواسطة مجموعة من الكلاب الشرسة التي قام برعايتها نابليون منذ كانت صغارا ، لأجل هذا اليوم الذي تكون له كل الهيمنة و السيطرة من ذاته المتغطرسة على سكان حيوانات المزرعة .

ـ تعليق القراءة :

في الواقع أن دلالات رواية ( مزرعة الحيوان ) أخذت لذاتها تلك الدلالات السياسية و النفسية و الحسية و البؤروية الهامة ، و هو ما يجعلها من أشهر الروايات في تأريخ الأدب الغربي القديم و الحديث ، بالطبع تظل دوما علامة تهكمية نادرة إزاء مكابرة الأهواء و الطغيان لدى ساسة و زعماء الشعوب ، ولعل أبرز ما تمتاز به أدوات الرواية ، هو أسلوبها التمثيلي البارع في تجسيد عوالم من الطبقات المسحوقة من الشعوب الخانعة تحت سياط إرادة الطاغوت من أبناء جلدتها ذاتها ، و قد صور لنا الروائي جورج أورويل أبهى النموذج السردي و التمثيلي في محور ( الدليل المضمر ) الكامن في جوهر محاور ثريا عنونة مقالنا : الجمهورية الحيوانية بين الدليل المضمر و مؤولات منظور الظاهر الروائي .




  سعد العبيدي

قامت الحكومة بتشكيل لجنة عليا للتحقيق بجرائم الفساد الكبيرة وفي الأيام القليلة الماضية شرعت هذه اللجنة، مسندة بدعم حكومي قوي بحملة لتقويم الاعوجاج في ذمم المسؤولين، وخطت خطوة باتجاه تنفيذ أوامر قبض على موظفين بتهم التورط بقضايا فساد ذمم واستغلال نفوذ، وتبديد أموال الدولة، وهي خطوة وإن استهدفت الوسط من المستويات الوظيفية في الجهاز الحكومي، الا أنها خطوة مناسبة، لأنها ستعطي مصداقية للحكومة التي وعدت مثل سابقاتها باستهداف الفساد وإقامة الحد نافذاً على الفاسدين، ولأنها ستؤمن قدراً من الردع مقبولاً، إذ وعندما يدرك الموظف أي كان مستواه أن في نهاية النفق الذي دخله للفساد عتمة سجن وقصاص، وسمعة توصم سيئة، سيفكر قبل أن يضع يده ويتجاسر على أموال الدولة والشعب.، كما إن خطوة جريئة مثل هذه الخطوة، ستقلق المسؤولين الكبار وستدفعهم الى التفكير من أن العقاب قادم مهما طال الزمن، وقد تدفع البعض منهم الى الاتعاظ والتفكير أكثر من مرة قبل الاستمرار في اتباع النهج الفاسد ذاته لتدمير الدولة والمجتمع.

إنَّ خطوة مكافحة الفساد التي بدأت بتنفيذ أومر القبض ماهي الا صفحة أولى من معارك ستطول ضد الفساد وستكون شرسة دون أدنى شك، لأن معسكر الخصم من بعض المسؤولين السياسيين الفاسدين وبعض قادة الكتل والأحزاب الفاسدين يتخندقون الآن جيداً خلف سواتر اسمنتية رصينة جداً ويمتلكون أسلحة دفاعية قوية جداً، بينها المال والنفوذ الذي يمتد في جسم الدولة العراقية، وهم على هذا وبضوء ما يمتلكون من الأسلحة سوف لا يبقون مكتوفي الأيدي يتفرجون على تداعي صروح متوالية بطريقة قضم ستصل صروحهم لا محالة، الأمر الذي يتطلب من الحكومة واللجنة الإسراع أولاً في تقديم من تثبت عليه الإدانة من الملقى عليهم القبض الى المحاكم والتوصية بسرعة محاكمتهم وعرض النتائج على الرأي العام، كذلك الزحف التدريجي النبه في حقل ألغام الفاسدين الكبار واستهداف أحدهم بقوة وجرأة، عندها فقط ستتحطم دفاعات الآخرين، وعندها فقط يمكن الإعلان عن النجاح في خطوات مكافحة الفساد وإعلان الدولة العراقية نظيفة من الدرن والمياه الاسنة.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget