حُجّاج الكومبيوتر



احمد عبد الحسين 

كثير من "إن لم يكن أغلب" المتدينين ينظرون إلى الله باعتباره كومبيوتراً عملاقاً مهمته حساب حسناتهم وسيئاتهم. في ذهنهم أن كل الكومبيوترات تحسب بسرعة، لكن ميزة الله عند هؤلاء أنه "سريع الحساب".

في صغري كنت أعرف أصدقاء يعدّون خطواتهم إلى المسجد عدّاً وفي كل خطوة لهم قصر مشيد بحور عين. كنا ننام ليلاً وتحت وسائدنا ورقة فيها عدد القصور التي شيدناها في النهار. كبرتُ وصار لي أصدقاء من أهل الأذكار ولم يكونوا يختلفون عن أولئك، كانوا صيارفة حسنات يجابهون الله نقداً بنقد، سلّمني وأسلمك.

لكني في موسم الحجّ تحديداً أرى كثيراً من هؤلاء الذين يقفون أمام الله سبحانه وقوفهم أمام شاشة كومبيوتر فائق السرعة. أرى الفاسد الذي لا يحدث نفسه بتوبة، وخائن الأمانة الذي يريد العودة من مكة بسرعة إلى كرسيه، وآكل مال الناس يطوف وهو يعدّ أشواطه وأمواله على السواء، ومثير الفتن الذي سيخلع ثياب الإحرام ويعود ببدلته إلى الفضائيات ليثير الفتن من جديد، والكذاب والمرتشي ومن لا أعرف من الغاطسين في صنوف الرذائل. في حسبانهم أنهم برغم ما فيهم وبرغم نواياهم سيعودون من مكة كما ولدتهم أمهاتهم. يقفون أمام الكومبيوتر العملاق، يضغطون كونترول a ويعملون select all  ثم يضغطون  delete وينتهي الأمر.

بالنسبة للصّ الحاج وللفاسد الحاج وللقاتل الحاج ولمثير الفتن الحاجّ فإن الحج فعل مساعد على القتل والسرقة والفساد، لأنه يجعلهم يستأنفون عملهم من جديد بحيوية أكبر وبشعور بالذنب أقلّ.

الآن تذكرت حديثاً للإمام الباقر "عليه السلام":

لأن أعول أهل بيت من المسلمين وأشبع جوعتهم وأكسو عريهم وأكف وجوههم عن الناس، أحبّ إلي من أن أحج حجة وحجة وحجة حتى انتهى إلى عشرة، ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين!

وتذكرت حديث الصادق "عليه السلام": إذا اكتسب الرجل مالاً من غير حلّه ثم حجّ فلبّى، نودي: لا لبيك ولا سعديك! 

إرسال تعليق

[blogger]

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget