الجزء الثاني من القصة الكاملة: كيف ضيع المسؤولون النفط العراقي لقاء الرشاوى؟




الجزء الثاني والاخير



كان هناك رجلاً اخراً اسمه الحركي "ايفان" ساهم في نجاح شركة "يونا اويل" في العراق، هو عدي القريشي مسؤول المشاريع في شركة نفط الجنوب، الذي سهّلت له الشركة العمل في نفط الجنوب، فهو استفاد كثيراً من المسؤولين الحكوميين الفاسدين. هنا كتب الجراح رسالة الكترونية الى مقر شركة "يونا اويل" يؤكد لهم فيها، بانه عقد اجتماعين مع القريشي في يوم ١٩ آيار من العام ٢٠٠٨.

واضاف الجراح في رسالته، ان القريشي المعروف باسم "ايفان" قد عينته وزارة النفط العراقية مديراً للمشاريع والتنسيق، وفي ضوء ما تقدم، فان القريشي يعد اكثر فائدة وانضامه لشركة "يونا اويل" مهم جداً. اللافت للانتباه أن الشركة لم تضع اسمه على جدول رواتبها، فقد اكتفت بارسال دفعات شهرية له بوصفه عميلاً مؤقتاً للشركة.

رسالة اخرى للجراح، يؤكد فيها انه التقى مع إيفان امس وجرى اتفاقاً بشأن التعاقد مع شركات اجنبية للفوز في تنقيب احدى حقول النفط، وإن المبلغ الذي حصل عليه ايفان شهرياً من هذه الصفقة تقدر بحوالي ٦٠٠٠ دولار، وفقاً لرسالة الجراح.

إيفان والسيّد " Lighthouse" زودا شركة "يونا اويل" بمعلومات عن مناقصات كانت الحكومة العراقية تريد تمويلها، ففي مناقشة مع السيد " Lighthouse" في مساءٍ ما، اتضح ان الشركة التركية للبترول العالمية كانت على مقربة من الفوز بالعقد الذي بلغت قيمته حوالي ٣٢ مليون دولار، لحفر ٤٥ بئراً في جنوب العراق فيما لم يتم إعلام الجانب العراقي بهذه الصفقة.

كتب الجراح بريداً الكترونياً الى مقر شركة "يونا اويل" يطلب فيه، العمل على وجه السرعة ومنح الموظفين الذين تم التعامل معهم داخل وزارة النفط الاعمال الكاملة، حتى تتحرك الشركة بشكل اسهل في العراق. المثير للاهتمام، ان شركة الايراني التي يديرها احساني واولاده والجراح، جعلوا من المسؤولين في الوزارة العراقية اثرياء جداً، فعلى سبيل المثال، اوضح الجراح في احدى رسائله الالكترونية، ان إيفان وهو عدي القريشي، يريد منه مرافقته ليشتري شقة لايفان في مدينة تشيلسي.

ماذا يدل الاسم الحركي: "العطلة"؟

الكسب غير المشروع والاتفاق على المدفوعات واخذ الرشى كانت لها اسماء مشفرة حركية لا يعرفها احد سوى المتعاملون مع الجراح نفسه، فرسائله توضح دفع رشوة الى ضياء جعفر بمبلغ مليون دولار سمّيت "بالعطلة"، بمعنى ادق، ان يوما واحدا يعني مليون دولار.

هنا كتب سايروس أحساني بريداً الكترونياً الى السيد " Lighthouse" يؤكد له فيه، ان شركته ستعطيه نصف يوم، اي نصف المبلغ، لكن يومها كان ضياء جعفر والقريشي اصرا على اخذ يوم المبلغ كاملاً، وهذا ما دفع احساني الى تأمين المبلغ كاملاً في غضون ١٨ ساعة فقط.

ورسالة اخرى من الجراح التي شرح فيها الحاجة الماسة الى دفع المزيد من الدولارات لتأمين الدعم لشركة سايبم الايطالية عبر وساطة إيفان الذي استشار زملائه وهو ما رتّب للشركة الايطالية الحصول على عقد للعمل على تنقيب ابار نفط في العراق.

وفي رسالة اخرى تبعت الرسالة الاولى، اقترح كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة "يونا اويل" فتح الافاق لعدي القريشي الذي بطبيعة الحال سيحتاج الى المزيد من الاموال مبينين بالقول " لتأمين حياة هادئة للقريشي يجب توفير كل ما هو ممكن له، لانه يحافظ الان على انشطة الشركة السرية".

الجراح هنا قام بتعيين ابن شقيق السيّد " Lighthouse" الذي كان على اتصال دائم، فهو شخص غير مثير للاهتمام في الوقت الذي بدأ الجراح يتجنب السيد "Lighthouse". في النهاية، ان المستفيدين من هذه التعاملات ليس فقط المسؤولين الفاسدين وشركة يونا اويل، بل الشركات التي دفعت الملايين الى "يونا اويل" للفوز بعقود ضخمة.

هذه العقود المبرمة كان ينبغي ان تُعطى الى الجهات الحقيقة الصادقة لضمان صفقة جادة للعراق وشعبه في كيفية ادارة النفط، بدلاً من ان تدخل شركة "يونا اويل" في العديد من العقود التي اخذتها عبر اكبر رشوة في تاريخ العراق.

هل عملاء "يونا اويل" على علم بفسادها؟



الشركات المستفيدة من حراك "يونا ايول" هم عملاء قدموا الملايين الى الشركة الام، فهناك شبكة من الشركات التي تعمل في مجال الخدمات النفطية، وهم الشركة الايطالية سايبم روسيتي مارينو، وفالفيتاليا، وشركة المانية اسمها "مان توربو" والشركة الهولندية " SBM البحرية" وسويسرية "ABB"و ناتكو وكور لابس، وشركة استرالية لايتون اوفشور، وشركة بريطانية بتروفاك وسلايدر بمب.

ومن خلال الرسائل البريدية المسربة، فانه من الواضح ان مدراء هذه الشركات او ربما بعضهم، على علم بفساد شركة "يونا اويل" وما قامت به في العراق، اما البعض الاخر من المدراء، غضوا الطرف عن هذه الاعمال من خلال تعيين وكلاء عنهم للتعاقد مع الشركة الامّ، لابعاد الشبهات عنهم والحصول على الاموال باية طريقة.

الجراح فيما بعد، أوضح لشركته أن مدير شركة رولز وريس، شخصية ثمينة جداً لانها تغذي "يونا أويل" بمعلومات من الداخل ـ يقصد من داخل العراق ـ . وهذا الجهد الذي قدمه مدير شركة رولز رويس، وفر لشركة "يونا اويل" الكثير من الخطوات، لذلك اقترح الجراح تعيير مدير شركة رولز رويس، مستشاراً فنياً في شركة "يونا اويل". ومن خلال تعاملات شركة رولز رويس، فان شركة "يونا اويل" بات لها يداً طولى على المسؤولين المباشرين على تطوير بئر الزبير.

في اوائل عام ٢٠١٠، فازت شركة "ايني" الايطالية بعقد لتطوير حقل الزبير، هذه الخطوة جاءت كجزء من دعوة الحكومة العراقية التي كانت تريد الحصول على الشركات المتعددة الجنسية بما فيها شركة " ايني" وبي ـ بي و رويال داتش شل للمساعدة في استثمار ثروة العراق. قصة "يونا اويل"، بدأت من خلال تعيين كبار رجال النفط من شركات القطاع الخاص لتشغيل الثروات المملوكة للدولة، عبر عملية فاسدة غير ضامنة للحكومة اساساً.

رسائل البريد الالكترونية التي يكتبها الجراح، توضح في عام ٢٠١٠، أن شركة "يونا اويل" اغرت كبار الشخصيات العاملة في شركة "ايني " الايطالية وفرق اخرى عاملة في حقول النفط التابعة لشركة برتيش بتروليوم. وكان رئيس شركة "ايني" دييغو براغي، تلقى رشوة لتسريب وثائق المناقصة مع المنافسين، فتلاعبت شركة "يونا اويل" بالمناقصات لصالح عملائها في الزبير.

المناقصات التي تلاعبت بها شركة "يونا اويل"، شملت عملاء عاملين في شركات مثل، مان توربو ومدير شركة "ايني" براغي (الذي نفى ارتكاب اية مخالفات). اذ تكشف الملفات السرية، ان المدفوعات التي قامت بها شركة "يونا اويل" للعملاء بنسبة ٦٠٪ ولشركة يونا اويل وحدها نسبة ٤٠٪.

وكتب براغي بريداً الكترونياً الى شركة "يونا اويل"، يقول فيه، ان الموافقة على الشروط المذكورة اعلاه، يعني اننا سنعطي بقية المعلومات التي تريدها شركة "يونا اويل". بينما كان رد الشركة بحسب سايروس احساني، على العكس تماماً فهو كان يريد النسبة ٥٠/٥٠، معتبراً ان شركته هي من قدمت العرض لشركة براغي، وسط بلد محفوف بالمخاطر والصعوبات.

المعلم

دفعت شركة يونا اويل، اكبر رشوة لاثنين من الرجال الذين لطالما جلسوا حول طاولة مجلس الوزراء في الحكومة العراقية، وهما يعتبران واجهة مستقبل صناعة النفط في البلاد، كذلك كثيراً ما حضرا اجتماعات أوبك الى جانب الرؤساء والوزراء العرب والاجانب.

الجراح بات مهمتاً جداً بالشخصيتين المؤثرتين على مستقبل النفط في البلاد، فقد اطلق عليهما ألقاباً، فالاول حصل على لقب السيّد " M" والثاني حصل على لقب "المعلم"، وكان يتصل بهما عبر وسيط يعمل في العاصمة الاردنية عمان اسمه احمد الجبوري الذي ايضاً اطلق عليه الجراح لقباً رمزياً وهو " الدكتور".

الجبوري من خلال تواصله وتعامله مع شركة "يونا اويل" جعلها من اغنى الشركات. ففي سلسلة رسائل الجراح الالكترونية، وصف عقداً اعلنت عنه الحكومة العراقية بقيمة ١٠٠ مليون دولار، فقدمت شركة يونا اويل هذا العقد الى شركة هيونداي مقابل أن تصحل على ٧ مليون دولار من قيمة العقد.

شركة "يونا اويل"، بالتأكيد لها تأثير على صنع القرار، فعندما حصلت على ٧ مليون دولار مقابل ان تحصل شركة هيونداي على العقد، فان المبلغ ذهب جزء منه الى الجبوري الذي هو ممثل الشخصيتين الغامضتين وهما السيد " M" والمعلم.

ومن خلال الاطلاع على نص مسرب من محادثة جرت على "سكايب"، حيث كانت شركة "يونا اويل" تستخدم هذا التطبيق لانها تعتقد انه لا يمكن اعتراضه من قبل الشرطة، قدمت المحادثة أدلة على ان الجبوري يُستخدم لاستخراج الرشى من الاخرين وبالعكس.

في عام ٢٠١٠، وافق الجراح على دفع ملبغ قدره مليون دولار بعدما كان المتفق على نصفه، للحصول على تقسيم العقد في حقل الغراف، وإن الجهة المستفيدة هذه المرة ستكون الشركة البريطانية بتروفاك وشركة هولندية اسمها "SBM".

وكتب الجراح للجبوري، يجب تهميد الطريق وتقديم الدعم لشركة بتروفاك، لاسيما نحن متفقون على مبلغ المليون دولار، وبهذه الحالة يجب ان تحصل بتروفاك على العقد، مقابل ما ندفعه لك، بحسب كلام الجراح للجبوري.

الشركة الهولندية أكدت في بيان لها انها تعاملت مع شركة "يونا اويل" في العراق لانهاء العقد، مؤكدة لا وجود لمخالفات. وهنا يبرز السؤال اين السيدين ذات الاسمين المشفرين من هذه العملية وهما السيد " M" و " المعلم"؟.

يوم الجمعة المصادف ٣ حزيران من العام ٢٠١١، علم الجراح ان رئيس الوزراء العراقي حينذاك نوري المالكي، قد أمر نائبه حسين الشهرستاني بزيارة مشروع النفط الذي تموله الحكومة بعدما تعاقدت مع الشركة الاسترالية وهي لايتون هولدنجز التي فازت بصفقة فساد رتبتها شركة "يونا اويل" لها.

حسين الشهرستاني من الشخصيات المعروفة في العالم العربي، فهو عانى لسنوات في سجون صدام حسين، وبعد الاطاحة بالنظام السابق امريكياً، تولى الشهرستاني منصب وزير النفط وفي اواخر عام ٢٠١٠، صار نائباً لرئيس الوزراء، وسابقاً كان يعمل الشهرستاني معلماً.

حينما سمع الجراح ان الشهرستاني ذهب لزيارة الموقع، ارسل الجراح رسالة الكترونية غاضبة الى الجبوري يخبره فيها، ان المعلم ذهب بنفسه ليشرف على عمل شركة لايتون في الفاو، الا تعتقد انك يجب ان تقول لنا مسبقاً عن زيارته؟. ولم يحظ الجراح باجابة عن رسالته المرسلة الى الجبوري.

ولقد كشف بحثاً من رسائل البريد الالكترونية، انه في عام ٢٠٠٩، كتب الجراح للوسيط احمد الجبوري بالموافقة على "دخوله" لصديق الجبوري وهو عبد الكريم لعيبي، الذي كان وزيراً للنفط في العراق.

في عامي ٢٠١٠و ٢٠١١، وافق الجراح على دفع رشوة قدرها ٢٠ مليون دولار للجبوري ليأثر على الشهرستاني والعيبي، مقابل ان تدعم شركة "يونا اويل" شركة لايتون اوفشور التي حصل على حصة من مشروع خط الانابيب بصفقة قدرها ٢ مليار دولار.

معرفة الرموز كانت واضحة بالنسبة لشركة "يونا اويل" وهذا بفضل الجبوري الذي كان ثرياً وقيّماً بالنسبة لـ "يونا وايل". وعند هذه النقطة، فان الشركة كانت على علم عندما طلب الجبوري من السيد "M" الموافقة على طلب شركة "يونا اويل" بالسماح للشركة الاسترالية بالعمل، الذي هو بدوره اتصل في منتصف الليل بالمعلم ليخبره بالامر.

وتشير رسائل البريد الالكتروني، ان الجبوري لم يكن يضغط على الشخصيات على كيفية العمل بطرق ملتوية، بل كانوا يتفاوضون على حجم الرشى التي يريدوها مقابل خدماتهم.

في احدى الرسائل البريدية، تصف وجود رشوة قدرها مليون ونصف المليون دولار، مقابل ان يحصل الجبوري على موافقة من المعلم بشأن صفقة ما.

في عام ٢٠١١، وفقت شركة يونا اويل على دفع اكبر رشوة في تاريخها حينما قدمت ١٦ مليون دولار لكسب تاييد السيد " M" والمعلم معاً للحصول على عقد مد خط انابيب بقيمة ٦٠٠ مليون دولار.

هذه الصفقة من شأنها، اتاحت لشركة لايتون هولدنجز العمل على مد خط الانابيب. ويقول الجراح في احدى رسائله ايضاً، ان المبلغ المدفوع كرشوة ذهب مباشرةً الى المعلم وهو حسين الشهرستاني.

المصدر: صحيفتا "ذا ايج" و"هافينغتون" الاستراليتين

ترجمة: أحمد علاء
[blogger]

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget