صلاة الجمعة وحركة السيد الشهيد محمد صادق الصدر الاصلاحية



مثنى السعيدي

ونحن نعيش الذكرى السنوية التاسعة لاستشهاد السيد الشهيد محمد صادق الصدر هذا المرجع الفذ اللامع من مراجع النجف الاشرف مع ولديه لابد من ان نعيد لاذهان لمن عاصر هذا المرجع الثائر ولمن لم يحظى بمواكبة مسيرته من الجيل الذي كان موجودا في حينها او ممن غضوا الطرف ووضعوا اصابعهم في اذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا . ونسلط الضوء على الحركة التغييرية الاصلاحية الكبيرة التي احدثها السيد الشهيد في تاريخ العراق الحديث.

السيد الشهيد محمد صادق الصدر وبدون مبالغة كان هبة الله للعراقيين في وقت جفت به الاقلام وانقطعت الاصوات . كا ت حركة الريسيد الشهيد محمد صادق الصدر التغييرية ببساطة انقلاب على واقع مليء بالانحرافات والغفلة والخضوع والياس من التغيير بعد سنين عجاف مر بها الشعب العراقي من قتل وتهجير وسجن وارهاب . ومن تفشي الرذيلة والانحطاط والفقر والجهل .ولم يكن الواقع السياسي المر والظلم والدكتاتورية هي الدافع للحركة التغييرية للسيد الشهيد محمد صادق الصدر وانما كا نت جملة من الانحرافات العامة في المجتمع العراقي من قمة الهرم الى قاعدته هذا الانحراف الذي راه السيد الشهيد محمد الصدر شمل حتى شخصيات دينية او بالاحرى شمل المؤسسة الدينية التي كانت من المفروض ان  تنهض بواقع الامة ولا تسمح لاي انحراف عن الطريق الذي خطه اهل بيت النبوه (عليهم السلام).ومجموع هذه الانحرافات كانت تحتاج الى ثورة حقيققية شاملة ونهضة تحتاج الى القيام بها المرجعية الدينية بنفسها او رمز قيادي كبير ومؤثر ليخرج الامة من سباتها الطويل الذي مرت به لاكثر من ثمان عشر سنة ومن يقوم بهذه المهمة الصعبة لابد من ان يتوفر به عاملان اساسيان هما ( الحكمة والشجاعة ) . وبما ان التحديات والانحرافات كانت متعددة وكثيرة فلابد من وجود الية لكفاح كل انواع الانحراف والخوف الذي دب في المجتمع العراقي في ذلك الحين .

  

     ولم تكن امام السيد الشهيد محمد صادق الصدر الية مجدية وعملية ليثور بها ضد واقع هذه الانحرافات العديدة فالحكومة في حينها كانت تحكم بالحديد والنار واي حركة بسيطة يشعر بها النظام المقبور يقمعها باي وسيلة كانت وكما هو معروف فقد اباد مدن باكملها والمقابر الجماعية خير دليل على ذلك ، بالاضافة الى ان السيد الشهيد محمد صادق الصدر لم يكن انسانا عاديا يتحرك دون مراقبة او لفت انتباه السلطات لعدة اسباب منها :

1- انه مرجع ديني معروف وهذه المرجعية حاول صدام بنفسه افشالها وقتلها في مهدها من خلال اعطاءه سلطة المرجعية الدينية في النجف الاشرف وابرازه امام الناس على انه مرجع اختير من قبل الحكومة لابعاد الجماهير عنه من البداية ، وذلك ما صرح به السيد الشهيد محمد صادق الصدر في اللقاء المسجل المعروف بـ (لقاء الحنانة ) والذي سجله في ايام حياته ولم يظهر الا بعد استشهاده، ويعتبر هذا اللقاء بحد ذاته دليل على مظلومية السيد الشهيد محمد صادق الصدر الذي وضع بهذا اللقاء النقاط على الحروف لمن لم يعرف قراءة حركته في ايام حياته ، اذ ان أي حركة كان يقوم بها تكون واضحة خصوصا مع وجود رجال الامن حتى بالقرب من ( براني) السيد الشهيد نفسه .

  

2- قرابة السيد الشهيد محمد صادق الصدر العائلية من السيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي اعدم على يد النظام البائد في بداية الثمانينيات وما تلاها من اقامة جبرية على السيد الشهيد محمد صادق الصدر ورقابة مكثفة على بيته من قبل رجال امن صدام .

  

    وفي وسط هذه الاجواء كان على السيد الشهيد محمد صادق الصدر بان يتحرك بحذر ودقة ولابد من وجود عاملين اساسيين لانجاح أي حركة وهما ( الحكمة والشجاعة) ، فالحكمة ان لم تكن مقرونة بالشجاعة تصبح مجرد شعارات ونظريات وافكار جامدة ، والشجاعة ان لم ترتبط بالحكمة تصبح تهورا . فشخصية السيد الشهيد محمد صادق الصدر بصفته المرجعية والعائلية كادت ان تحد من تحركه لولا توفر عاملي( الحكمة والشجاعة) . فما كان عليه الا ان يخرج بحركة تضع السلطة الحاكمة بحرج بحيث لا تستطيع منعه من هذا التحرك نحو التغيير والاصلاح .  





صلاة الجمعة :

     لم يكن احد من رجال الدين الشيعة يفكر يوما من الأيام بإحياء صلاة الجمعة في العراق وكادت ان تكون فريضة معطلة وملغاة ومجرد حبر على ورق في صفحات الرسائل العملية لمراجع الشيعة في العراق على مر العصور ولم يتوقع احد ان تكون لها اهمية وثقل على المستوى الديني والسياسي كما نلاحظه اليوم. الا ان السيد الشهيد محمد صادق الصدر اعتبر صلاة الجمعة هي الوسيلة الراجحة في انجاح حركته وبها يمكن ان يقود الامة ويوقضهم من غفلتهم ويبث فيهم روح الشجاعة والثقة بالنفس بامكانية التغيير وعدم القبول بالواقع الذي هم فيه مهما كانت الطريقة التي يحكم بها النظام في ذلك الوقت . وكان اختيار السيد الشهيد محمد صادق الصدر لصلاة الجمعة موفقا وذلك من عدة جهات :

  

اولا : ان الحكومة الدكتاتورية في حينها اعلنت عن " حملة ايمانية وطنية كبرى " وبذلك استغل السيد الشهيد محمد صادق الصدر هذه الاجواء لاقامة صلاة الجمعة التي كان يقيمها اهل السنة في عموم العراق وتبث على الهواء مباشرة عبر الاذاعة والتلفزيون الحكومية فلا يمكن لها ( الحكومة) ان تمنع صلاة هي كانت قد شجعت على اداءها.

  

ثانيا : صلاة الجمعة كانت دينية ولم تكن سياسية بالمفهوم السياسي العام أي ان الطابع الكلي عليها هو طابع ديني ومنعها يتعارض مع ما تدعو اليه الحكومة من حملتها الايمانية المزعومة .

  

ثالثاً : ما تتميز به فريضة صلاة الجمعة من وجود خطبتين احدهما دينية واخرى سياسية او ان هذه الفريضة لا تصح الا بوجود خطبتين بالاضافة الى وجوب اقامة الصلاة أي ان هناك خطبتين اسبوعيا تقدم الى الناس بصفة دينية وبذلك يحصل هناك تواصل مباشر بين القائد والجماهير مما لذلك من اهمية كبيرة في أي تحرك اصلاحي .

  

رابعاً : صلاة الجمعة كانت تقام بشكل علني وامام انظار السلطة وهذا يدفع الشك قليلا من امكانية ان يصدر من خلال تلك الصلاة مقاومة او معارضة مسلحة كانت ام فكرية لان ما يدور في خطبة الجمعة ينقل مباشرة الى اجهزة الامن والمخابرات ، وكان طابع التنظيمات المناوئة للحكومة سريا في اغلب الاحيان .

  

خامساً : ان صلاة الجمعة كانت تعالج كل حالات الانحراف في المجتمع العراقي ، وحركة السيد الشهيد محمد صادق الصدر كانت اصلاحية بشكل عام وليست مقتصرة على الجانب السياسي . أي انها لم تكن علاجا لمرض معين بل كانت علاج لكثير من الامراض الاجتماعية .

بالاضافة الى كثير من المميزات الاخرى التي قد يلاحظها الكثيرون ممن عاشوا تلك الفترة الاصلاحية ، وكان لعاملي ( الشجاعة والحكمة )دورا اساسيا وضروريا وهذان العاملان حاول السيد الشهيد محمد صادق الصدر بثهما في نفوس الجماهير من خلال صلاة الجمعة لانهما اذا كانا مقتصران على القائد يكون تاثيرهما في المواجهة اقل مما اذا كانا مقتصران على القائد لوحده . وهذا ما حاول ان يفعله السيد الشهيد بشكل تدريجي اثناء خطبه المباركة وفعلا اكتسبت الجماهير شيئا من الشجاعة والثقة بالنفس في وسط حكومة دكتاتورية ظالمة . ولم يعتمد السيد الشهيد محمد صادق الصدر علة ما تتضمنه فريضة صلاة الجمعة من خطبتين وصلاة وانما حاول جاهدا ان يستغل فرصة التجمع باضافة الهتافات تارة والتوجيهات المباشرة تارة اخرى وبالتالي التقدم بخطوات سريعة ومدروسة لاختزال الزمن ( بالحكمة ) التي كان يتمتع بها السيد الشهيد محمد صادق الصدر .

واذا كان للكلام والخطب دورا في توعية الامة فقد كانت للرمزية دور اخر كارتداء السيد الشهيد محمد صادق الصدر للكفن مما اعطى مدلولات عديدة للجماهير والحكومة في ان واحد ، كايصال رسائل ودروس لا يمكن التصريح بها او ان الكلمات في بعض الاحيان قد لاتغن اكثر من الرمزية ، أي انه استخدم الاسلوب الحسي في حركته الاصلاحية ، ومع ان ارتداء الكفن كان من المستحبات الشرعية ولم يكن بدعة ابتدعها الا انه كان الوحيد من مراجع الدين في تاريخ العراق الذي ارتدى الكفن وهذا طبيعي وبديهي لانه الوحيد ايضا الذي صلى الجمعة من المراجع الشيعة في النجف الاشرف .كم ان مدلولات ارتداء الكفن اعطت قوة وشجاعة ومعنى للتضحية في الروح مقابل مبادئ سامية وقيمة .               ولعل السلطة الحاكمة قد فهمت ان الموت الذي كانت تهدد به الكثيرين يحمله السيد الشهيد محمد صادق الصدر على كتفيه ولا يخاف منه ، فماذا عساها ان تفعل لهاكثر من القتل!؟

وكان لاختيار السيد الشهيد مسجد الكوفة اثر رمزي اخر اكثر مما هو جغرافي باعتبار ان مسجد الكوفة الذي كان يصلي به امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (ع) له مدلولات واثر نفسي كبير لدى المسلمين وخصصوا الشيعة منهم .

ومما تقدم يمكن ان نقتبس شيئا من نجاح تلك الحركة الاصلاحية من خلال صلاة الجمعة ونتائجها على الساحة وما افرزته من تطورات في مواجهة الانحرافات كافة في المجتمع العراقي بشكل خاص ، ويمكن تلخيص تلك النتائج بالنقاط التالية:

1- بينت صلاة الجمعة القيادة الحقيقية للمجتمع العراقي وكشفت قناع قائد الامة الضرورة الذي كان صدام يخدع به الملايين من العراقيين والعرب السذج .

2- فضحت وبينت مدى الظلم الذي يتعرض له العراقيين من خلال منعهم من ابسط حقوقهم العبادية كمنع السلطة لامر السيد الشهيد محمد الصدر بالمشي الى كربلاء المقدسة وهذا ما اعلنه السيد الشهيد بكل وضوح وشجاعة في احدى خطب صلاة الجمعة .

3- بينت هذه الصلاة بامكانية التحرك ضد الحكومة الظالمة من داخل العراق وليس من خارجه فحسب وان هذا التحرك اعطى تفاعل كبير بين الجماهير وقيدتها ، فالقيادة التي تولد من داخل رحم الامة وتعيش معاناتها والامها وتعرف ما ينفعها وما يضرها تكون قيادة ناجحة وبنفس الوقت يلتف الجماهير حولها بسرعة وبثقة كبيرة .

4- الاستجابة الواسعة لكثير من طبقات المجتمع العراقي لنداء المرجعية الحركية والذي شمل حتى الغجر ، وكان للحضور الفاعل لاساتذة وطلبة الجامعات دور كبير في تقوية هذه الحركة الاصلاحية كما كان للنساء وحضورهن الميداني الدور الاخر الذي اعطى قوة اضافية الى تلك الحركة الجماهيرية .

5- انتقال الحركة الاصلاحية من الفردية الى الجماعية او المؤسساتية ونمت روح العمل الجماعي والمؤسساتي لدى الجماهير التي كانت تخاف حتى من اقامة المناسبات الدينية او التجمعات الشبابية التي يدور فيها حوار ديني او سياسي ، واعتماد الكثير منهم على العمل الفردي او الارتباط مع مجاميع سياسية خارج الحدود العراقية .

  

وفي ضوء هذه النتائج وغيرها نجد ان السيد الشهيد محمد صادق الصدر قلب الطاولة بوجه ابشع دكتاتور شهده تاريخ العراق واعاد الامل الى من كان يأس في فترة من الفترات بامكانية التغيير ، وعلقت الجماهير امالها على هذه الحركة ، لكن مواجهته هذه واختياره لصلاة الجمعة كعامل اساسي في حركته الاصلاحية التغييرية لم تخلو من مواجهة من عدة جهات كان اهمها السلطة الحاكمة وبعض المؤسسة الدينية في الحوزة العلمية نفسها . الا ان الموقف السلبي الذي وقفه بعض رجال الدين ومن اتبعهم من الجماهير وعدم تفهمهم لتلك الحركة الاصلاحية ووقوعهم في  شرك الاشاعات والتسقيط كان حجر عثرة امام هذه الحركة الاصلاحية التغييرية لكن السيد الشهيد محمد صادق الصدر حاول جاهدا ان يرفع ذلك الحجر بطريق عجلة الاصلاح التي بدات تتسارع شيئا فشيئا . وكان في خطب الجمعة التي يلقيها السيد الشهيد محمد صادق الصدر ما يزيل الشك والتردد وان لم تكن خطب الجمعة كافية فان تسجيل ( لقاء الحنانة ) وان كان ظهر بعد استشهاده الا انه يبين مدى الجهد الذي حاول به السيد الشهيد محمد صادق الصدر ان يوضح صفاء حركته تلك ولو بعد حين . وحاول بشتى الطرق اقناع الجهة المقابلة باهمية حركته الاصلاحية وضرورة الوقوف معها لا ضدها كما صرح باحدى خطبة حينما قال ( لو توحدنا لاستطعنا مواجهة اسرائيل ونحن عزل من السلاح ) كم ادعا السيد الشهيد محمد صادق الصدر رجال الدين ممن كان لديهم شك او موقف سلبي من تلك الصلاة ( التي هي بالحقيقة اساس الحركة الاصلاحية ) الى اقامة الصلاة وداء الخطبة بنفسهم ويكون هو ماموماوراءهم بالاضافة الى ايضاحه الفقهي من جواز اقامة مثل تلك الصلاة ولا يوجد أي مانع من اقامتها فلماذا هذه الحرب الشرسة ضدها !؟ . ولكن لم يجد أي استجابة تذكر وبقى السيد الشهيد محمد صادق الصدر يواجه الظلم والانحراف لوحده .

وبعد ان شعرت الحكومة من تنامي هذه الحركة الاصلاحية واتساعها وتهديدها لكيانها الذي بدأ ينخر شيئا فشيئا سارعت الى قتل السيد الشهيد محمد صادق الصدر مع نجليه بعد ان ادى صلاتي المغرب والعشاء بالقرب من جده امير المؤمنين .

ان هذا المرجع العملاق الذي ما زال صدى صوته يتردد بين جدران مسجد الكوفه - نعم ...نعم للاسلام نعم ...نعم يا ربي .  كلا...كلا امريكا . كلا...كلا اسرائيل . هذه ... هذه حوزتنا  . هي ....هي املنا . هي ... هي قائدنا - هذه الاصوات لم ولن ينساها احد وتبقى ذمة في عنق كل من سمعها ليطبقها على ارض الواقع لان من اعطى نفسة وولديه من اجل هذه الحركة الاصلاحية التغييرية لابد ان يرد له الجميل بالحفاظ على حركته تلك وديمومتها  .

فسلام عليك يوم ولدت ويم استشهدت ويوم تبعث حيا .



مثنى السعيدي


[blogger]

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget