د.لؤي الحمداني
بعد ان اعلن سماحة السيد مقتدى الصدر عن مقترح قانون تجريم التطبيع مع اسرائيل في احدى تغريداته على تويتر , تعالت الاصوات الرافضة لهذا الامر , ويمكن ان نقسم الرافضين الى قسمين , قسم يعترض عن كل ما يصدر من سماحة السيد القائد حتى وان كان عين اليقين , وهذا النوع لا يستحق الرد اصلا وربما مصالحه الشخصية والحزبية تقتضي التطبيع , وقسم اخر ناقش الموضوع من الناحية القانونية وخلص الى نتيجة مفادها ( لا داعي لتشريع قانون يجرم التطبيع مع اسرائيل بسبب وجود نص المادة (201) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969المعدل والتي عالجت هذا الموضوع ) وسوف نناقش اصحاب هذا القول وكالاتي :-
اولا – تنص المادة 201 من قانون العقوبات العراقي النافذ على الاتي ( يعاقب بالاعدام كل من حبذ او روج مبادئ صهيونية بما في ذلك الماسونية او انتسب الى اي من مؤسساتها او ساعدها ماديا او ادبيا او عمل باي كيفية كانت لتحقيق اغراضها )
يتضح من خلال هذا النص ان العقوبة المقررة للافعال التي جُرمَت بموجبه هي عقوبة الاعدام , والاعدام عقوبة تطبق على الاشخاص الطبيعيين فقط ( الانسان ) ولا تطال الاشخاص المعنوية كالشركات والمؤسسات التي منحها القانون الشخصية المعنوية , حيث ان الاخيرة تعاقب بالغرامة او سحب الترخيص او الحل في بعض القوانين , وبالتالي فان هذا النص لا ينطبق على الاشخاص المعنوية , وهذا اول نقص في نص المادة المشار اليها في اعلاه يقتضي المعالجة , كما لا يمكن القول بان عقوبة الاعدام تطال ممثل الشخص المعنوي لكونه المعبر عن ارادته , لان في ذلك خلط بين الشخصية المعنوية وشخصية ممثلها التي اعترف القانون باستقلال كل منهما عن الاخرى , فلكل منهما اسم يميزها عن الاخرى وذمة مالية مستقلة وموطن مستقل وجنسية مستقلة . لذلك نحتاج الى تشريع لسد هذا النقص وربما مقترح القانون الذي اعلن عنه سماحة القائد قد عالج هذا النقص .
ثانيا – عند ملاحظة الافعال المجرمة بموجب هذا النص نجدها كالاتي ( حبذ او روج مبادئ صهيونية , انتسب او ساعد احد المؤسسات الصهيونية ماديا اوادبيا , او عمل باي كيفية لتحقيق اغراضها )
بداية نجد ان النص قد حدد افعالا معينة ثم جاء بعد ذلك بعبارة تفيد معنى المثال لا الحصر , وبذلك فان النص يفتح باب الاجتهاد امام القضاء لتطبيقه على واقعة دون اخرى , ففي هذا المورد لا يمكن عدَّهُ من النصوص قطعية الدلالة , بل انه نص ظني بلا شك , وهذا ما يجعل الوقائع تحت رحمة القضاء , وهو امر لا يحبذ تشريعيا , لذلك نحتاج الى نصوص قطعية الدلالة فيما يتعلق بالافعال المجرمة حتى نغلق باب الاجتهاد في امر بغاية الخطورة , كما ان لمبدأ الشرعية تطبيق ادق في هذا المنحى .
ثالثا – قد يوسع التشريع المقترح من دائرة الافعال المجرمة , فبموجب نص المادة (201) موضوع النقاش فان استخدام اراضي الكيان الصهيوني للسفر ( ترانزيت ) لا يعد جريمة لانه ليس من الافعال المجرمة وفقا للنص المتقدم ذكره ولا يخلو الامر من الاجتهاد كذلك , فربما يمنع السفرمن الاراضي الصهيونية وفقا لهذا المقترح , كذلك فان النص موضوع النقاش لا يمنع الزيارات العابرة لسفارات دولة اسرائيل في كل دول العالم ’ فيمكن ان تتحقق الزيارة دون ان يكون معناها الترويج للصهيونية او مساعدتها ماديا اوادبيا , فقد تكون لغرض حضور حفل اقامته سفارة اسرائيلية في احدى الدول لمناسبة غير اسرائيلية , وبذلك نحتاج الى نص صريح يجرم زيارة السفارات والمؤسسات الاسرائيلية , بمعنى اخر ان التشريع المقترح سيجرم افعال لم يجرمها نص المادة (201)
رابعا – قد يتضمن التشريع نصا يعد الجرائم الواردة فيه من الجرائم المخلة بالشرف , وبذلك يمنع على مرتكبيها الترشح لاغلب المناصب السياسية او غيرها , فلم يرد في قانون العقوبات العراقي النافذ ما يفيد ذلك , وهذا تشديد يبين موقف السياسية الجنائية العراقية ليكون رادعا من ارتكاب هذه الافعال , كما يمكن ان تترتب عقوبات تكميلية تتمثل بمصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة لمرتكب الافعال التي جرمها النص المقترح , وكذلك هذا غير منصوص عليه في القانون النافذ .
لما تقدم يمكن القول باننا بامس الحاجة الى اصدار هذا التشريع خلافا لما ذهب اليه البعض وفقا لتوسيع دائرة التجريم على مستوى الافعال او الاشخاص او العقوبات التكميلية , وغلقا لباب الاجتهاد الذي تترتب عليه مواقف قضائية متغيرة .
د . لؤي الحمداني