د. محمد العبيدي
أصبح انتشار الهواتف النقالة في يومنا هذا أمراً عادياً في جميع أنحاء العالم. وتعتمد تقنية الإتصالات اللاسلكية على شبكة ممتدة من الهوائيات الثابتة (أبراج) أو المحطات النقالة تتبادل المعلومات فيما بينها بواسطة إشارات تردد لاسلكي. وتنتشر حول العالم اليوم عدة ملايين من هذه الأبراج ويتزايد هذا العدد باطراد خصوصا مع انتشار الأجيال الجديدة من هذه التقنيات. هناك شبكات لاسلكية أخرى انتشرت في الآونة الأخيرة في البيوت والمكاتب والعديد من الأماكن العامة (المطارات، المدارس والمناطق السكنية). هذه الشبكات مثل الشبكات اللاسلكية المحلية تستعمل في خدمات الانترنت وتوفر سرعة عالية للاتصال عبر الانترنت. ومع إزدياد عدد أبراج الهواتف النقالة وكذلك عدد الشبكات اللاسلكية المحلية، يزداد أيضا تعرض السكان للإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث من هذه الأبراج. وتشير الدراسات الحالية إلى أن تعرّض السكان للإشعاع الكهرومغناطيسي من هوائيات أبراج الهواتف النقالة يعتمد على عوامل مختلفة مثل بعد الشخص عن هوائي البرج وكذلك على طبيعة البيئة المحيطة. وهناك الآن تخوف من العواقب الصحية المحتملة من التعرض لمجالات التردد اللاسلكي الناجم عن استخدام هذه التقنيات.
قامت كل من اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاعات غير المؤينة وكذلك معهد المهندسين الكهربائيين والالكترونيين بتطوير إرشادات دولية للتعرض، لتوفير الوقاية من آثار الإشعاع الكهرومغناطيسي. ولهذا على الحكومة أن تتبنى معايير الأمان الدولية هذه وتطبيقها بدقة وحزم وذلك لحماية المواطن من خطر التعرض لمستويات عالية من مجالات التردد الراديوي. كذلك على السلطات أن تحظر الدخول إلى الأماكن التي يمكن فيها تجاوز حدود التعرض المسموح بها دوليا.
تكمن خطورة الأبراج في أشعة الراديو المنبعثة منها وقدرتها (معدل طاقتها لكل وحدة زمن). وبما أن طاقة الأشعة تتناسب عكسيا مع مربع المسافة التي تقطعها، فإنه كلما بعد الإنسان عن البرج ستقل طاقة الأشعة التي تصل لجسمه، ولكن أين نحن من هذا والأبراج منتشرة في المناطق السكنية ومثبة على أسطح المنازل، كما في الصورة المرفقة التي تظهر عددا من تلك الأبراج في منطقة سكنية صغيرة من بغداد.
على الرغم من ان الجدل ما زال قائماً حول هذا الموضوع إلا ان رئيس برنامج الحماية من الأشعة الكهرومغناطيسية التابع لمنظمة الصحة العالمية يرى بأن شركات الهاتف النقال ملزمة بوضع حد لمعامل الأمان ضد الإشعاع، كما يرى ضرورة إخضاع أبراج تقوية إرسال الهاتف النقال للمراقبة للتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات القياسية العالمية فيما يتعلق بعوامل الأمان الإشعاعي، واتباع ما اشترطت عليه بعض المراكز البحثية والمختصون عند بناء وتركيب محطات الهاتف النقال. ومن خلال الاستعانة بنتائج الدراسات المعدة عن طريق المؤسسات العلمية وخصوصا منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للاشعاع غير المؤين وكذلك الاطلاع على القانون الامريكي والقانون الاسترالي اضافة الى قوانين دولية أخرى في هذا المجال يمكن ان ندرج ادناه أهم الضوابط والمعايير الواجب اتباعها عند القيام بنصب الأبراج الرئيسية والهوائيات ومنها:
1. ان يكون ارتفاع المبنى المراد إقامة البرج فوق سطحه في حدود من 15-50 متراً وهذا لا يطبق في الواقع على الأسلوب العشوائي الذي تنتشر فيه أبراج الهاتف النقال في بغداد وبقية المدن العراقية.
2. يكون ارتفاع الهوائي أعلى من المباني المجاورة في دائرة نصف قطرها 10 أمتار.
3. أن يكون سطح المبنى الذي يتم تركيب الهوائي فوقه من الخرسانة المسلحة. ولايسمح بتركيب الهوائيات على أسطح المباني التي بدون سقف خرساني مسلح.
4. لا تقل المسافة بين أي برجين على سىطح نفس المبني عن 12 متراً.
5. لا تقل المسافة بين الهوائي والجسم البشري عن 12 متر في اتجاه الشعاع الرئيسي.
6. لا يسمح بتركيب الهوائي فوق أسطح المباني المستقلة بالكامل كالمستشفيات والمدارس.
7. ان يتم وضع حواجز معدنية من جميع الاتجاهات.
8. إلزام شركات الهواتف النقالة بالمواصفات الخاصة بالإشعاع طبقا لما أصدرته جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات الأمريكية والمعهد القومي الأمريكي للمعايرة، والتي تنص على أن الحد الأقصى لكثافة القدرة يجب أن لا تتجاوز 0.4 ملي وات/سم2 على أن تقدم الشركة شهادة بذلك.
9. يجب عدم توجيه الهوائيات في اتجاه أبنية مدارس الأطفال.
10. ينصح باقامة محطات البث الرئيسية خارج حدود التصاميم الاساسية للمدن.
11. ضمانا لعدم الاقتراب من الهوائيات يتم غلق السطح بالكامل بباب مغلق ويتم وضع سور غير معدني من جميع الاتجاهات على مسافة ستة امتار من مركز قاعدة البرج ومترين بالنسبة للساري الموجود على حافة المبنى مع وضع اشارات تحذيرية.
12. يجب ان لا تقل المسافة الافقية بين الهوائيات وسور المدارس ( اطفال، حضانة، ابتدائية، متوسطة، اعدادية) عن ثمانين مترا وذلك لكونهم في مرحلة نمو تجعلهم اكثر حساسية.
وإضافة لما أكده العالم الكيميائي الألماني فريدلهايم فولنهورست مخترع رقائق اجهزة الهاتف النقال إلى أن مخاطر أبراج تقوية الهاتف النقال تعادل في قوتها الإشعاعات الناتجة عن مفاعل نووي صغير. وحيث أن الترددات الكهرومغناطيسية الناتجة من الهاتف النقال اقوى من الاشعة السينية، فإن تلك الترددات التي تنبعث من هذه الأبراج لها تأثير على الجهاز المناعي للانسان وتقلل كفاءته للقيام بأعمال ذهنية وعقلية، إضافة إلى ضعف القدرة على الانجاب بالنسبة للذكور وزيادة في تشوهات الجنين عند المرأة الحامل، كما أنها تصيب الانسان ببعض امراض العيون .
هناك عدد كبير من الدراسات والبحوث تشير إلى أن الموضوع لا يزال يحتاج إلى البحث لعدم وجود نتائج مؤكدة ولكن دعنا ندرج الأخطار المحتملة حسبما أورده المتخصصون الذين يبنوا مخاطرهم على المدى البعيد وليس المباشر مما ينذر بخطر يشمل كل البشر الذين هم على مقربة أو تماس مباشر بالبرج الذي يسبب تلوثاً كهرومغناطيسياً يؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة ، بل وقد يسبب البرج عددا من المشاكل لمرضى القلب حيث يؤثر على عمل أجهزة تنظيم دقات القلب، كما يؤثر بشكل سلبي على القدرة العامة للأفراد حيث يسبب الخمول والشعور المستمر بالتعب والإرهاق كما أن له تأثيرات مستقبلية على المدى البعيد خصوصا على الأطفال حيث أثبتت إحدى الدراسات الحديثة التي أوردتها إحدى المعاهد البريطانية المتخصصة ببحوث السرطان أن الإشعاعات الناتجة عن أبراج نقل الكهرباء أو الهاتف تسبب تلوثاً كهرومغناطيسياً غير مرئي يسبب سرطان الدم والعديد من الأمراض الخطيرة سواء الجسدية أو النفسية والتي قد تتدرج في الظهور على مراحل كما أنها تسبب حالات من الإرهاق والقلق والتوتر والأرق.
ان اعادة النظر في شروط ومواصفات ومعايير نصب واقامة ابراج الهاتف النقال في المناطق السكنية وفوق سطوح المنازل أمر تتحمله الجهات المعنية كوزارة البيئة وهيئة الاتصالات، اذ أن اقامة مثل هذه الاجهزة الضارة لهو اكثر ضرراً وخطورة من الاسلحة والمتفجرات على المدى الطويل لاعتبارات صحية وأمنية، اضافة الى تشويهها لجمالية العاصمة والمناطق السكنية في باقي مدن ومحافظات العراق.
إرسال تعليق