التيار المدني في العراق وحلم السلطة


بقلم :الكاتب يوسف رشيد حسين الزهيري

بعد احداث التاسع من نيسان 2003  وسقوط النظام الفاشي البعثي وانهيار مؤسساته العسكرية والامنية  القمعية واجهزته الاستخبارية والمخابراتية  والتي كانت تمارس تطبيق سياسة النظام البائد في انشطة الملاحقة والقبض والتحري على اية نشاطات سياسية تنافس حركة حزب البعث على الساحة  السياسية في العراق بعد ان قام بحملة تصفيات كبيرة منذ اسنلامه دفة الحكم اواخر الستينيات وهو يمارس سياسة الابادة المتعمدة لكل الاحزاب والحركات الاخرى بكل اتجاهاتها السياسية والدينية وشملت سياساته افراد وجماعات ورشخصيات ورموز طالتها ايادي اجهزة السلطة القمعية  في الزج في السجون او الاعدامات او التصفيات الجسدية ولم يلبث حتى في مطاردة الهاربين خارج البلاد .واستقل حزب البعث بسلطته وزعامته وسيادته على البلاد بقبضة جلاد لا يرحم منافسيه بالرغم من ان ايديولوجية ذلك الحزب الفاشي ترتبط ارتباطا وثيقا بكل البرامج السياسية  المأخوذة من الافكار المخلوطة من كل الاحزاب الاشتراكية  ذات النزعة القومية  التي تؤمن بها التيارات المدنية في فلسفة الحكم والسلطة والبرامج والتطبيقات لكنه انقلب على كل تلك الحركات والاحزاب الليبرالية والاشتركية المتمثلة بالفكر الشيوعي رغم ان فلسفة ذلك الحزب البعثي  نظرة وشعارات اشتراكية  في الافكار التي كان يطرحها ضمن برنامج الحكم  وعلى مستوى تثقيف القواعد الجماهيرية .فقد استخدم حزب البعث اقوى وسائله الاعلامية واجهزته القمعية  وصادر الحريات الفكرية ووظف الاقلام السياسية المأجورة في تدنيس وطمر كل الاحزاب المنافسة على الساحة السياسية في العراق وتوجيه ضدها الحملات الاعلامية والكتب والاصدارات في تشويه صورة تلك الاحزاب منها ما جعل منها في نظرة الشعب احزاب ملحدة ومنها من جعلها اخزاب تتمثل بالعمالة والتخريب  امثال الحزب الشيوعي وحزب الدعوة وعلى مدى اربعة عقود استمرت حملات التشويه والاعتقال وزرع ثقافة الكراهية لدى الشعب تجاه تلك الاحزاب المؤطرة ضمن احزاب العمالة والرجعية  للاجنبي ومنها ماهو ملحد وكافر وزنديق ومنها ماهو متمرد وطاغية امثال الاحزاب الكردية والتي نالت مانالته هي والاخزاب الشيعية  في العراق وهو النصيب الاكبر من حملات الاعتقال والقتل والاعدام والتشرد في ظل حكم بيروقراطي حكم  بقانون الجلاد الطاغية  تحت شعار وحدة حرية اشتراكية التقت في مفاهيمها العامة كل برامج وافكار الاحزاب والحركات الاخرى لكن حزب البعث انفرد في سياسته التعسفية  بحكم القطب الواحد وحرم تحريما ممارسة اي نشاط سياسي اخر يهدد امن وسياسة تلك الثورة المسماة بثورة الحزب البعث العربي الاشتراكي التي كانت حسب ادعاءات الحزب ثوىة فوق كل الولائات والانتماءات الطائفية والعرقية والقومية لكن في اطار المنهج والسلوك كان حزبا فاشيا طائفيا احادي القطب تمرد على كل الحركات والتيارات المتشابهة مع ايديولوجية الافكار والتوجهات والسمات والنظريات في فكر حزب البعث والذي كان حزبا متناقضا في الفكر والطرح وبين السلوك والتصرف المتناقض فكرا وسلوكا فبينما كان ينظر في طرح المفاهيم الاشتراكية الشيوعية  ومحاربة الاقطاعيين وتناغماته السياسية وتعاونه اقتصاديا وعسكريا مع الاتحاد السوفيتي الام الشيوعية كان يضرب ويحارب الفكر والاتجاهات والاشخاص الشيوعيين في العراق وبينما كان يطرح نظرياته القومية وبنادي بالخطابات المشخونة قوميا وعروبيا حيث كان يضرب ويهدد   وينافس الدول العربية على زعامتها والخضوع لسياساته واحلامه التوسعية باسم مفهوم القومية وموهما الشعوب العربية والشعب الفلسطيني  بحربه المزعومة ضد اسرائيل واميركا وهو في المواقف السرية والخفاء كان الحليف السري لاميركا ومفتاحها لدخول بوابة الشرق الاوسط والخليج العربي وخروجه من حرب الاستنزاف العسكري والاقتصادي والبشري مع ايران التي زجته اميركا في لعبتها في الشرق الاوسط من اجل بسط نفوذعا وهيمنتها الاستعمارية  باشكالها الجديدة  وبينما كان يدعي الوطنية  وغرسها كمفهموم للمواطنة في المؤسسات والحياة العامة كان يضرب الاكراد ويمارس ضدهم اقسى ادوات القمع والوحشية وعمليات الانفال كانت احدى شواهد جرائم العصر في الابادة الجماعية وبينما كان يتجه في بعض الاحيان في التوجهات الدينية كمسار اخر للحزب  في جملة من التناقضات من السلوكيات والاتجاهات التي كان يضعها كبرامج لخدمة مصلحة حزبه ويوظفها من اجل منافعه ومكاسبه كان بالجانب الاخر يضرب مراقد الائمة ويضرب شيعة العراق في الجنوب والوسط  ويستهدف بعض من العشائر السنية  المناوئة لمواقفه في دولة استباحت بها كل مفردات وقيم الحرية واثرت سلبا على واقع وثقافة الفرد اجتماعيا  ونفسيا وعقليا  مما جعل سطحية العقل العراقي عقلية ساذجة لا تؤمن الا بسياسة القطب الواحد  او المنهج الواحد الذي تؤسسه تلك الانظمة والاحزاب الدكتاتورية وقد ضيق المجال امام حرية اتساع حركة الاحزاب وتعدديتها والمشاركة في بناء الدولة وفق قواسم الانتماء الوطني والروابط المشتركة  لكل فئات وشرائح ومكونات الشعب
لقد لعبت سياسة البعث بما انتهجتها بمسيرتها الطويلة الدامية  من ضغوط اجتماعية واقتصادية وما الحقته بالشعب من ويلات وحروب واستنزاف لمقدرات الدولة وما اتسمته السياسة  العنجهية التي لم ترتكز على محور سياسي وفكري محدد بقيت تعمل في عدة اتجاهات و في رؤى واتجاهات سياسية معقدة  متعددة الاتجاهات والسلوكيات في الظلم والطغيام زالغطرسة والطائفية والعنصرية حيث يمكن تصنيف فكر وايديولوجية البعث من خلال تجربته في السلطة باعتباره حزبا نازيا ذات نزعة شوفينية عنصرية انتجت نظاما شبه  عائليا ضمن اطار القبيلة الواحدة المتسيدة على مجموعة اقوام تختلف في الديانات والعقائد والافكار ...كما يعد فكرا انهزاميا الحق الهزائم الكثيرة في تاريخ العراق وجعل من العراق ساحة حرب وتصفيات للدول والقوى المتنافسة على الشرق الاوسط والخليج تحديدا ..ان النهج وااسياسات الخاطئة التي خلفتها ادارة البعث للعراق انتجت شعبا مقهورا مستعبدا مضطهد يشعر بالمظلومية من شرائح  معينة ومن حزب كان يحسب في يوما ما على التيارات المدنية المزعومة المؤمنة بالحرية وتطبيقها في بلد تسوده العدالة المجتمعية وفي ظل قانون تنطبق بنوده على الجميع وفي ظل نظام  عادل يؤمن بحقوق الفرد والعدالة الاجتماعية وبقيت اتجول في افكاره المواجع والخوف وخصوصا من بعض الاطراف الشعبية الواسعة  في العراق والتي كانت تشعر بالظلم والاضطهاد والملاحقة  الامنية البوليسية  
لقد لعبت عوامل كثيرة في اضمحال الحركات والتيارات المدنية في العراق من اتساع رقعة عملها السياسي خصوصا في فترة النظام البعثي نتيجة العوامل المؤشرة اعلاه وما سبقته من احداث  بعد احتلال العراق وسقوط او انهيار حزب البعث الحاكم وان بروز التيار المدني في العراق بعد الاحتلال لم يكن بروزا مؤثرا في الساحة السياسية  بل كانت الاحزاب الدينية  النصيب والحصة الاوفر حظا والاكبر في توجهات الشاىع الديني العراقي وتمسكه بهذه الاحزاب التي يشعر باطمئنان بانتمائه لها او تشجيعها لدوافع عقائدية ولدوافع تجربته السابقة من حكم التيارات والاحزاب المدنية في العراقوالذي دفع ثمنا باهضا من جراء تلك السياسات البغيضة العنيفة التي انتهجها البعث فكرا وسلوكا داميا وموجعا
برز التيّار المدني الديمقراطي في العراق المتمثل باليسار العراقي  بين اتجاهين مختلف في القيادات وتنافساتها على زعامة هذا التيار مما انحسر دوره وضعف بين كتل ومجموعات صغيرة تمثل شرائح ومكونات من المجتمع بمجموعات محدوده لكن الابرز بالتيار المدني هي حركات وفاق بزعامة علاوي والتي تمكنت هذه الكتلة المتهمة بانحيازها للطرف السني  من افراغ محتواها المدني  وجعلها ضمن بوتقة الكتل شبه الطائفية المصبوغة بالطائفة السنية  ونزلت بكل قوتها للساحة السياسية ابان فترة انتخابات الدورة الثانية للبرلمان العراقي وبدعم خارجي غير محدود لكنها لم تسطيع  الانتصار امام القوى الشيعية المتحالفة ضمن التحالف الشيعي وانهزمت سياسيا  من دون ان تحقق المكاسب والغايات السياسية والحماهيرية
ومن الطرف الاخر للتيار المدني بكل القوى والاحزاب الشيوعية والليبرالية والعلمانية والاطاىفية  والقوى المؤتلفة  التي تمثل بعض الشرائح المضطهدة باعتباره تيارا وطنيا  واسعا يمّثل اليسار العراقي والقوى الديمقراطية المستقلّة المؤمنة بالدولة المدنية , فبالرغم من التمثيل الضعيف لهذا التيّار في مجلس النوّاب العراقي , إلا أنّ هذا التيّار يمّثل شريحة مجتمعية واسعة من قوى اليسار العراقي والكتّاب والمثقفين والأكاديميين والشعراء والفنانين , المتطلعين لإرساء مؤسسات الدولة المدنية في العراق , ومن الحزب الشيوعي العراقي وجماهيره وأصدقاءه الذين يمّثلون العمود الفقري لهذا التيّار , بشقيه العربي والكردي تضاف له بعض القوى والشخصيات المؤتلفة معه من منظمات المجتمع المدني ومؤسساته المدنية  فشلت ايضا في الوصول الى السلطة واكتفت بالتمثيل البرلماني الرمزي ….. بل وفشلت ايضا في ايجاد قيادة حقيقية تمثل هذا التيار المدني واستمالة الجماهير اليه  رغم خوف واصطدام الجماهير بمخاوف تجربتها السابقة لكن التيار المدني اخفق في الكثير من الامور المهمة التي كان من شأنها ايجاد برنامج سياسي مركزي لكل القوى المدنية في العراق في ظل قيادة مركزية واحدة ….لكن التيار المدني كسواه من التيارات والحركات السياسية يخضع ايضا لرغبات ومصالح ومنافع قياداته الصغيرة حيث البعض منها يبحث ايضا عن الشخصنة والقيادة والمنافع الفئوية
لعبت الاحداث الاخيرة في العراق وما تشهده من مظاهرات وصراعات سياسية  كان التيار المدني له الدور الابرز فيها طيلة فترة سنتين وهو يقود التظاهرات المطالبة بالاصلاح والتغيير ويوما بعد يوم تنظم لتلك الثورة العديد من شرائح المجتمع بمختلف شرائحه وخصوصا بعد تقاعس الدور الحكومي في تامين الخدمات والمستلزمات الرئيسية لحياة الفرد العراقي وما يعانيه من نقص حاد بالخدمات من الكهرباء والماء والجانب الامني المتدهور والبطالة  وهشاشة الاقتصاد  والامور المهمة الاخرى بدأ الشعب يوما فيوما يستشيظ غضبا ليعلن في كل يوم ثورة وثورة وبعد نداءات المرجعيات الدينية  ودعوات الشخصيات االوطنية السياسية والدينية الاخرى بدأ الشعب ثورته الكبرى لينظم الى تظاهرة التيار المدني والتي كانت تظاهرات منظمة وموجهة ويتم التثقيف لها من قبل الجهات المدنية المنظمة والذي يشارك فيها العديد من الشخصيات والاساتذة والادباء والفنانين وغيرهم الكثير من شرائح المجتمع المهمة رغم كل ماقاسوه من اعتقالات ومداهمات وسياسات قمعية لكن استمرت تلك التظاهرات المنظمة  واتسعت نطاق شعبيتها وجماهيرها وقد كان للمراة المدنية الوطنية مشاركة فعالة وكبيرة جدا في التحشيد والتظاهر والتنظيم  والاعداد والتثقيف على المستوى الاعلامي والجماهيري بل تعدى حتى اكثر اهمية من هذا الدور حيث ساهمت وشاركت لاكثر من دورة في الانتخابات وكان لديها الحضور والجمهور في تحقيق الفوز في الانتخابات
في ظل اوضاع البلد الاخيرة وازماته الامنية والاقتصادية الخطيرة شاركت قوى التيار الصدري بقوة في التظاهرات الاخيرة مما شكل قوة كبرى للتيار المدني في قيادة البلاد بعد المطالبات الاخيرة من المتظاهرين بتشكيل حكومة التكنوقراط من التيار المدني في العراق من المستقلين الاكفاء الوطنييين بذات الخبرة والمجال التخصصي للوزارات ومؤسسات الدولة
ومما ستفرزه الاحداث الاخيرة في البلاد نتيجة الصراع الدائر على السلطة  وصراعات القوى الكبرى على اختيار البديل للمرحلة القادمة للعراق وفي ظل تجاذبات القوى والاطراف السياسية في العراق وتاثيرات وضغوطات الدور الاقليمي والخارجي ربما ستشهد العملية السياسية في العراق تغييرات جذرية في الانتخابات القادمة سواء ان كانت انتخابات طارئة ستكون او ان تعقد في توقيتاتها الدستورية لكن توجه الشارع اليوم هو باتجاه الدولة المدنية المدعومة من قبل التيار الصدري الاوسع انتشارا وشعبية في البلاد
بينما تسعى الاطراف الاخرى في الدولة التمسك بتلك المناصب وذلك النفوذ السياسي على
[blogger]

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget