عزيز الخزرجي
لم يملك فقيه الدعوة و رائد الحوزة العلمية - العملية الفيلسوف العظيم (محمد باقر الصدر) و كما شهدتُ بنفسي أثناء زياراتي له؛ غير حصيرٍ مُمزّق و بضع رفوف من الكتب مع غرفةٍ لم تكن تتسع لعشرة أشخاص داخل مقبرة أحد المحسنين في النجف إتخذها داراً و مكتبة و صالة لإستقبال زائريه قبل أن يرحل إلى دار الآخرة كشاهد شهيد على أمانته و مظلوميته و سيره على خطى جدّه الأمام عليّ(ع)، و لم يُدخل لبيته أو لبطنه و بطن عائلته من اموال "الخمس" أو "حق الأمام" سوى ما كان يكتفي به كأيّ فقير في الأمّة .. بل كانت الأموال تُوزّع في محلّها حتى قبل وصولها الدّار في أحيان كثيرة!
لم يشبهه أحداً من السابقين أو اللاحقين من مراجع النجف إطلاقاً .. كان بآلضبط كأئمة اهل البيت(ع) الذين قرأنا عنهم في التأريخ و كآلامام الخميني العظيم الذي ضرب مثلاً أعلى في نهجه القويم على خطى الأنبياء و المصلحين!
لا يُعرف حقيقة الأنسان في كلّ العصور مهما إدّعى بآللسان و آلأعلام؛ إلاّ بأداء الأمانة التي تتجلى مصداقها من خلال (السلطة)؛ و التي كانت أنذاك تتمثل بآلمرجعية التي إستغنى عنها يوم لم يكن له منازع حتى السيد الخوئي الذي إعترف وقتها و هو يصف الصدر الأول بآلقول: [الذي عندي هو عند الصدر الأول .. لكن الذي عنده ليس عندي],
و المعيار الثاني ؛ هي (آلأموال), ثم تتبعها قضية (ألأمانة) و (الأخلاص) و (الصدق) التي إشتهر بها , كما كلّ الدّعاة الشهداء الذين عاصروه و إستشهدوا حيث ضربوا مثلاً أعلى في الأخلاص و الأمانة و الصدق وهم يتسابقون في آلخيرات و المعروف بعد ما عادوا المنكر و الظلم و الأستغلال و في مقدمتهم حزب البعث اللئيم الرجيم!
لكننا لا نجد أيّة صلة بين سلوك (ألصّدر) أو (الدّعاة) الشهداء .. و بين سلوك "الدّعاة" في السلطة اليوم حين نقارنهم .. و يا ليتهم – أي دعاة ا ليوم - يكفّوا عن رَفْع رايتهم لإستغفال الناس و إستحمارهم لنهب حقوقهم.
ليس هذا فقط .. بل نرى هؤلاء المُدّعين قد قسّموا حقوق الفقراء و الشهداء و الصدر مع الذين قتلوا الصدر الفيلسوف و الدعاة الحقيقيون, بل و أكثر من ذلك عادوا الذين عادوا قتلة الصدر الأول بكل قباحة خوفاً على خسارتهم للرواتب و المخصصات و المناصب و العملية السياسيية التي خلّفت خمسة ملايين يتيم و ثلاثة مليون أرملة و أكثر من عشرين مليون جائع في عراق اليوم!
لا أدري : ماذا سيكون موقف (الصّدر) لو سمع بهذا الخراب و أنّ أمين حزب «الدّعوة» يضرب عشرات الملايين من حقوق الناس الفقراء شهرياً بلا رحمة ثمّ يضع ولده فوق الجيش و الشّرطة و ينهشون لحوم الفقراء بمخصصات خيالية و يشترون ألبيوت و آلقصور في لندن بعشرات آلملايين من آلدولارات؟ و هو – أي الصدر الأول - حَرَّم ولده و بناته و مقربيه حتى من شرب الماء البارد في قيظ النّجف مواساةً مع فقراء بيوت الصفيح في العالم و ليس العراق فقط!؟
أ تذكر كيف إننا كنا نتداول أطراف الحديث في سنوات الجمر العراقي في السبعينات و ما بعده؛ بنبذ الظلم و الفوارق الطبقية .. آملين إحلال المساواة في الحقوق و نشر العدل فيما لو إستلمنا السلطة, واضعين أمامنا الصور الخالدة لمواقف الأمام عليّ(ع) كمثال و قدوة لدولتنا المأمولة لتطبيقها على أرض الواقع!
لكن أين نحن الآن و أين كل تلك الآمال والأمنيات!؟
لا أدري لماذا الفوارق الطبقية توسعت بشكل كبير بعد زوال الحكم الصدامي البائد!؟
هل بسبب خلل في فكر الدعوة أم الدعاة !؟
أم الأثنان معاً!؟
أم إن البعث الكافر الهجين بدأ ينافس فكر الدعوة و نهج الدعاة!؟
إنها لمفارقات مؤلمة حقاً .. و تأريخ أسود و دعاة أكثر سواداً!!!
أقول و آلألم يعصر قلبي .. إذا كانت هذه دولة (محمد باقر الصدر) حاشاه والتي طالما حدّثنا عنها عند لقائنا به، و التي أقامها أمناء «الدّعوة» ألمزوريين اليوم بعد 2003م و ألذين تعددوا بآلمناسبة بسبب الأنشقاقات و النزاع على السّلطة؛ فعلى الأسلام في العراق السّلام للأسف الشديد!
و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز الخزرجي
مع فائق التقدير،